من الأمور التي لا تخفى
علينا في العصر الحالي هو ان كوننا حادث أي مخلوق وليس ازلياً ولكن كان قديماً الموضوع
يختلف عن الان فنجد لورانس كراوس Lawrence Krauss يخبرنا عن هذه النقطة فيقول :
فبالنسبة إلى المجتمع العلمي في عام 1917 كان الكون
استاتيكيا وأبديًا، ويتكون من مجرة واحدة، هي درب التبانة Milky Way التي نعيش فيها، ويحيطها فضاء واسع ولانهائي ومظلم وفارغ في
النهاية، هذا ما يمكن أن تظنه، حين تتطلع نحو السماء في الليل بعينيك، أو بتليسكوب
صغير؛ وفي ذلك الوقت لم يكن هناك سبب للشك في هذا. [1]
ولكن الذي قدمه اينشتاين كان بمثابة صدمة للمجتمع العلم
على حد كلام لورانس فقد غير اينشتاين الفكر السائد بخصوص ازلية الكون وهذا أيضا على
حد كلام لورانس
إن اكتشاف أن الكون ليس استاتيكيا بل، على الأحرى، في
تمدد، له دلالة فلسفية ودينية عميقة؛ لأنه يطرح أن لكوننا بداية، تنطوي على خلق
والخلق يثير العواطف. وفي حين أن فكرة الانفجار الكبير استغرقت عدة عقود، بعد
اكتشاف كوننا المتمدد في العام 1929 لكي تحقق التوكيد الإمبريقي المستقل، فقد
بشَّر بها البابا بيوس الثاني عشر Pope Pius XII في عام 1951 كدليل على صحة سفر التكوين. فكما قال: يبدو أن علم
العصر الحالي بقفزة واحدة رجوعا عبر القرون، قد نجح في أن يشهد على اللحظة الجليلة
لـ (ليكن النور - Fiat Lux) حين انفجر مع المادة من
اللاشيء بحر النور والشعاع، وانفصلت العناصر، وتمخضت وكوَّنت ملايين المجرات.
لهذا، مع هذه الصلابة التي تميز الأدلة الفيزيائية، أكد (العلم) على إمكان الكون،
والاستنباط صحيح الأساس أيضًا في ما يخص العهد الذي خرج فيه العالم من بين يدي
الخالق من ثم كان الخلق. نقول: لهذا يوجد خالق. لهذا فإن الله موجود!».[2]
وهذا هو مختصر الموضوع حسب نظرة العلم الحديث ان
الكون له بداية ولكن ماهي النظرية الدينية والفلسفية لهذا الموضوع ؟ أحببت في هذا
المقال ان انظر من خلال اعين الكتاب المقدس والفيلسوف باروخ إسبينوزا وهذا له سببين
ان الأول انا اؤمن به والثاني من يقرأ حياته يعلم انه كان متعمقاً في الكتاب المقدس
العبري ( العهد القديم ) بحكم انه يهودي
اود في البداية البدء مع الكتاب المقدس ونرى ماذا يقدم
بخصوص هذا الموضوع , نجد في الكتاب المقدس هذا النص الواضح ( "فِي الْبَدْءِ
خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ." (تك 1: 1) في الدراسة اللغوية للنص نجد
انه في البداية يحدثنا لا عن اله شخصي ولكن عن ما يسمى اله عموماً
بالمعنى الدقيق للكلمة، فإن كلمة אלהים هي اسم، أي أنه يمكن استخدامها لأي
إله. وهي ليست اسمًا شخصيًا، مثل يهوه، أو إيل شداي، أو مردوخ، أو كيموش. ومع ذلك،
وكما هو الحال مع الكلمة الإنجليزية "God"، فإنها غالبًا ما تعمل
تقريبًا كاسم خاص. بالتأكيد في هذا الإصحاح، كلمة אלהים هي كلمة أكثر ملاءمة للاستخدام من יהוה (الرب): فهي تعني أن الله هو الخالق
السيادي للكون كله، وليس فقط إله إسرائيل الشخصي [3]
ברא أي "خلق" أولاً يجب
ملاحظة أن الاله، إله إسرائيل، هو دائمًا موضوع " ברא "الخلق . الخلق لا
يُنْسَب أبدًا إلى الآلهة الوثنية. ثانيًا، لا يذكر النص أبدًا ما يخلق الله منه.
ثالثًا، المنتجات الأكثر شيوعًا للخلق هي الإنسان والجديد غير المتوقع الذي نادرًا ما يتم ذكره هو وحوش البحر والجبال والحيوانات أنه على الرغم من أن كلمة "ברא" لا تشير إلى
الخلق من العدم، إلا أنها تحافظ على نفس الفكرة، وهي "خلق الله بلا جهد، وحر
تمامًا وغير مقيد، وسيادته. لم يتم ذكر ما خلقه الله منه أبدًا". إن حقيقة أن
الله خلق العالم من العدم أمر مفهوم بالتأكيد من خلال مقاطع أخرى من العهد القديم
تتحدث عن خلقه لكل شيء بكلمته ووجوده قبل العالم (مز 148: 5؛ أمثال 8: 22-27) [4]
فمن خلال الدراسة اللغوية و التاريخية للنص نجد ان
النص في البداية يتحدث عن اله بشكل عام ثم بعد ذلك يحدد ان الخالق هو اله إسرائيل تحديداً
والمثير ان اله إسرائيل يخلق بكلمته كما جاء في المزمور ( "لِتُسَبِّحِ اسْمَ
الرَّبِّ لأَنَّهُ أَمَرَ فَخُلِقَتْ،" (مز 148: 5).او حسب الامثال ( "«اَلرَّبُّ
قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ، مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ، مُنْذُ الْقِدَمِ."
(أم 8: 22) [5]. "مُنْذُ الأَزَلِ
مُسِحْتُ، مُنْذُ الْبَدْءِ، مُنْذُ أَوَائِلِ الأَرْضِ." (أم 8: 23). "إِذْ لَمْ يَكُنْ غَمْرٌ
أُبْدِئْتُ. إِذْ لَمْ تَكُنْ يَنَابِيعُ كَثِيرَةُ الْمِيَاهِ." (أم 8: 24). "مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَقَرَّرَتِ الْجِبَالُ، قَبْلَ التِّلاَلِ أُبْدِئْتُ." (أم 8: 25). "إِذْ لَمْ يَكُنْ قَدْ
صَنَعَ الأَرْضَ بَعْدُ وَلاَ الْبَرَارِيَّ وَلاَ أَوَّلَ أَعْفَارِ
الْمَسْكُونَةِ." (أم 8: 26). "لَمَّا ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ كُنْتُ هُنَاكَ أَنَا. لَمَّا
رَسَمَ دَائِرَةً عَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ." (أم 8: 27).ونحن نعلم ان الكلمة
هو يسوع المسيح ( "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ
عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ." (يو 1: 1) [6]. "هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ
عِنْدَ اللهِ." (يو 1: 2). "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ
مِمَّا كَانَ." (يو 1: 3).
على العموم حتى لا نشت عن الموضوع , حسب ما لدينا في
سفر التكوين ان الكون خلق من اله وهذا الاله هو اله إسرائيل وهذا الاله خلق الكون
من اللاشئ وأيضا هذا كان تفسير علماء اليهود في الرد على ان الله ليس بخالق ولكنه
صانع صنع العالم من مدة قديمة
على أية حال، فإن التعاليم المباشرة للربانيين rabbis هي دائماً، مع النتيجة القائلة إن خلق العالم كان من لاشيء. يمكن
أن نذكر هنا فقرة ذات دلالة خاصة. فجوابًا على تحدى واحد من الناس يوصف بأنه
"فيلسوف" احتج بأن بعض ألفاظ سفر التكوين (۱ :۲) تشير إلى أشياء قديمة سابقة على
الوجود خلق منها العالم، يقتبس الربى الذي يواجه هذا التحدى آيات من "الكتاب
المقدس" ليبيّن أن الأشياء التى زعم الفيلسوف أنها قديمة وسابقة على الوجود
ومع أنه من غير الواضح ما إذا كان الربي قد اعترف هي في الحقيقة مخلوقة. بأنها
سابقة للوجود re-existent لكنه أنكر فحسب كونها أزلية eternal مع الله أو أنه أنكر الأمرين
معا أى كونها سابقة للوجود وأزلية ، فإنه من الواضح تماما أنه كان مصراً على ما
يسميه خلقا من عدم ex nihilo . وعلى أية حال، فإنه لا يوجد
تعبير مطابق حرفيا للتعبير اليوناني ἐξ οὐδενός أو للتعبير "اللاتيني de ex nihilo أو ex nihilo صاغه الربيون لكي يعبروا به عن
اعتقادهم بأن الخلق كان من لا شيء.[7]
وكان أيضا الجانب المسيحي يؤمن ان هذا النص يتحدث عن
الخلق من اللاشئ وهذا نجده في الكثير من كتابات اباء الكنيسة ونأخذ منها على سبيل
المثال ما ذكره كيرلس الكبير
إن الله بكل تأكيد هو الذي خلق الملائكة ورؤساء
الملائكة، والعروش، والسلطانيين والقوات والرؤساء ومعهم أيضاً السرافيم، خلقهم من
العدم ἐξ οὐκ
ὄντων [8]
فنجد انه من خلال النظرة الكتابية الكون مخلوق من
اللاشئ
والان لنلقي نظرة على الكون عند باروخ إسبينوزا, في
الحقيقة مشكلة إسبينوزا انه لم ينفي ان الكون حادث فحسب بل قال ان الكون هو الاله
نفسه
ويقول «كوليروس بعكس هذه الآراء تمامًا؛ فكتاب
«الأخلاق» يبدأ في رأيه أولا بداية رائعة: «ومن ذا الذي يشك، حين يقرأ هذه البداية
البديعة في أن فيلسوفا مسيحيا هو الذي يتحدث؟ ولكن عندما يختبر المرء ما يقوله
اسپينوزا عن الله اختبارًا دقيقا، «يجد أن إلهه ليس إلا شبحًا، وإلها خياليًا، هو
أبعد ما يكون عن الله فهو يستبيح لنفسه استخدام اسم الله وفهمه بمعنى لم يعرفه أحد
من المسيحيين حتى اليوم.» وهكذا يفسر كوليروس إله اسپينوزا بأنه «ليس سوى الطبيعة
- التي هي لا متناهية حقا، ولكنها جسمية ومادية - منظورًا إليها في كليتها وبجميع
أحوالها» [9]
ولكن مشكلة إسبينوزا انه اقر بالفعل ان كل ما هو غير
قادر على الوجود من ذاته هو عاجز فيقول اسبينوزا
في عدم القدرة على الوجود عجز وعلى العكس، في القدرة
عليه قوّة (كما هو معلوم بذاته. وبالتالي فإذا كانت الكائنات المتناهية هي وحدها
الموجودة بالضرورة في اللحظة الحاضرة، فالكائنات المتناهية ستكون أقدر من الكائن
اللامتناهي إطلاقاً. بيد أن ذلك (كما هو معلوم بذاته) محال. وإما إذا أنه لا يوجد
شيء، وإما أنه بالضرورة كائن لامتناه إطلاقاً. والحال أننا نوجد إما في ذواتنا
وإما في شيء آخر موجود بالضرورة. (راجع البديهية 1 والقضية (7)، إذاً فالكائن
اللامتناهي إطلاقاً، أعني بناء على القضية (6) الله، واجب موجود. [10]
فبتالي ان قلنا ان الكون حادث اذا فالكون حسب ما قدم إسبينوزا في شرحه عاجز على ان يكون الهاً باي شكل من الاشكال لانه من شروط الاله
ان يكون واجب الوجود أي موجود بدون خلق وهنا نجد مشاكل عند اله اسبينوزا الذي هو
الطبيعة المخلوقة ونجد اله الكتاب المقدس يستحق ان يصبح اله الحق لانه هو الخالق واجب
الوجود
[1] كون من لا شيء – لورانس كراوس – ترجمة غادة
الحلواني – ص 26
[2] المصدر السابق – ص 29
[3] Wenham, G. J. (2002). Vol. 1: Word Biblical Commentary : Genesis 1-15. Word Biblical Commentary
(15). Dallas: Word, Incorporated
[4] Wenham, G. J. (2002). Vol. 1: Word Biblical Commentary : Genesis 1-15. Word Biblical Commentary
(14). Dallas: Word, Incorporated.
[5] بمناسبة هل كان يتحدث النص عن خلق المسيح لم لا
كان لي رد في هذا الموضوع مسبقاً ( https://t.me/epshoi12/24 )
[6] يرجى مراجعة أيضا الملف الاتي بخصوص هل كان
الكلمة الله ام الهاً ( https://t.me/epshoi12/20 )
[7] فلسفة المتكلمين – المجلد الثاني – ص 490
[8] جلافيرا – المقالة الأولى على سفر التكوين –
الوجود او العدم للإنسان القابل للسقوط
[9] إسبينوزا - فؤاد ذكريا - ص ١٠٧
[10] علم الاخلاق – باروخ إسبينوزا – القضية 11 ,
البرهان الثالث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق