هل الانسان مجرد اله ؟

 



هل الانسان حقاً مجرد اله ؟ او بالمعنى الاصح هل الكائنات الحية عبارة عن مجموعة من الإسلاك والطاقة الكهربائية مثلها مثل الآلات ليس اكثر ؟ في الحقيقة من يقرا في تاريخ الفلسفة يجد ان مثل هذا السؤال راود الفلاسفة عبر العصور حتى ان الفيلسوف الفرنسي لا ميتري  Julien Offray de La Mettrie قد كتب كتاب تحت عنوان MAN A MACHINE وقال فيه الاتي

 

الإنسان آلة معقدة للغاية لدرجة أنه من المستحيل الحصول على فكرة واضحة عن هذه الآلة مسبقًا، ومن ثم يصبح من المستحيل تعريفها. لهذا السبب، كانت جميع التحقيقات التي أجراها أعظم الفلاسفة عبثًا عندما استخدموها a priori، أي عندما اعتمدوا على "أجنحة الروح"، إذا صح التعبير. لذلك، فإن الطريقة الوحيدة للوصول إلى أعلى درجات الاحتمالية بشأن طبيعة الإنسان هي من خلال a posteriori، أو من خلال محاولة فكّ ارتباط الروح عن أعضاء الجسد، حتى وإن كان من غير الممكن اكتشاف طبيعته بيقين تام.[1]

 

ففي ثنايات الكتاب كان لا ميتري يحاول ان يستخدم معرفته كطبيب لكي يثبت ان الروح ماهي الا خرافة وانه لا يوجد شيء غير مادي في الانسان ولكن على العكس فالكائن الحي هو مجرد مادة ليس اكثر مجرد اله يتحكم فيها العقل عن طريق نواقل عصبية بمعنى أوضح نستطيع ان نتخيل قول لا متري على النحو الاتي

 



 

فهذا هو الشكل الذي كان يحاول لا ميتري انه يقوله لنا ولكن هل هذا حقا هو الكائن الحي مجرد مادة ليس اله ليس اكثر ؟

في الحقيقة نحن لا نرفض اننا مادة فهذه هي طبيعتنا حتى التي قالها الكتاب المقدس ( وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ (سفر التكوين 2: 7) وقال فيها القديس غريغوريوس النزينزي:

 

"أخذ الله من غبار الأرض وشكل الإنسان." في هذا العالم، اكتشفت التأكيدين أنه لا شيء وأن الإنسان عظيم. إذا اعتبرت الطبيعة فقط، فهو لا شيء ولا قيمة له؛ لكن إذا نظرت إلى الشرف الذي تم معاملته به، فالإنسان شيء عظيم [2]

 

وأيضا اود ان أقول ان العلم الحالي لا يمكنه ان يؤكد لنا او ينفي وجود الروح بشكل او باخر وهذا امر طبيعي فالعلم قائم على دراستنا كبشر للواقع المادي المحيط بنا [3] ولكن هل هذا يعني اننا ننفي وجود الميتافيزيقيا ونتبع المنهج الخاص بلا ميتري ومن وافقه من الفلاسفة ؟ في الحقيقة هذا السؤال نستطيع الرد عليه بما أورده الفيلسوف اللاأدري برتراند راسل فيقول :

 

لقد أعلن معظم أساطين الطبيعة وعدد من علماء الأحياء البارزين في الأزمنة الحديثة أن تقدم العلم حديثاً قد أثبت بطلان المادية القديمة، ومال إلى تأييد حقائق الدين [4]

 

وهنا يجب ان نتسأل هل ننفي الميتافيزيقيا ونعتبر الانسان مجرد اله لمجرد ان العلم الذي يختص فقط بدراسة المادة لم يقدم دراسة بخصوص الروح ؟ كما ذكر راسل ان اساطين الطبيعة والعلماء البارزين نفوا النظرية المادية القديمة وهي من النوع الذي كان ينادي به لا ميتري ولكن نطرح أيضا السؤال الاتي هل نستطيع ان نفصل الميتافيزيقيا عنا ؟ ايمانويل كانط قد استفاض في الحديث عن هذه النقطة فيقول الاتي :

 

لقد كان عليَّ إذاً أن أضع العلم جانباً لكي أحصل على مكان للإيمان، وإن دوغمائية الميتافيزيقا - أعني غرورها ـ التي تدفعها إلى الاعتقاد بأنها قادرة على تحقيق تقدَّم فيها من دون نقد للعقل المحض، هي المصدر الحقيقي لكلِّ إلحادٍ معادٍ للأخلاقية - ودائماً ما يكون هذا الإلحاد شديد [التطرّف] دوغمائياً ـ فإذا لم يتعذر علينا إذاً أن تبقي للأجيال المقبلة إرثاً بميتافيزيقا منهجية مُسترشدة بنقد العقل المحض، فلن تكون هذه هدية قليلة الشأن، سواء نظرنا إلى ثقافة العقل التي تتم بدخوله الطريق الآمنة لعلم بشكل عام، مقارنة بطريقته في التخبط من دون مبادئ وتجوُّله الطائش خلوا من النقد، أو اعتبرنا] أيضاً الاستغلال الأفضل للوقت الناتج منه من جانب شبيبة متعطشة إلى المعرفة تجد في الدوغمائية المعتادة تشجيعاً مبكراً وقوياً [5]

 

فالموضوع ليس فقط يحصر في العقل المحض لان العقل المحض مصدر معرفته هي الحواس كما قال كانط في بقية كتابه فلو اتباعنا ما قاله ديكاردت في كتابه التأملات نستطيع ان نستخلص ان الانسان في ذاته يوجد ميل نحو الميتافيزيقيا يوجد شعور داخلي في الانسان يميل الي الشك ومن خلال الشك نصدق اننا موجودون فالموضوع ليس مجرد الاعتماد على ما تقدمه الحواس ولكن هناك ما هو اعمق يكمن في داخلنا

 

 

 



[1] Man a Machine by Julien Offray de La Mettrie (French-English Edition) Includes Frederick the Great's "Eulogy" on La Mettrie and extracts from La Mettrie's "The Natural History of the Soul" Philosophical and Historical Notes by Gertrude Carman Bussey, M.A., Wellesley College ) P . 89

[2] Hadwiga Hörner, ed. Gregorii Nysseni Opera Supplementum. Leiden: E. J. Brill, 1972. Louth, A., & Conti, M. (2001). Genesis 1-11. Ancient Christian Commentary on Scripture OT 1. Downers Grove, Ill.: InterVarsity Press.

[4]  النظرية العلمية - برتراند راسل – ترجمة عثمان نويه – ص 93

[5]  مقدمة الطبعة الثانية من كتاب نقد العقل المحض


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق