‏إظهار الرسائل ذات التسميات تأملات فلسفية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تأملات فلسفية. إظهار كافة الرسائل

ملخص كتاب The Existence of God ( وجود الله ) للفيلسوف ريتشارد سوينبرن ( Richard Swinburne ) الجزء الاول

 



في كتابه وجود الله، يأخذنا الفيلسوف ريتشارد سوينبرن في رحلة فكرية لاستكشاف واحدة من أقدم وأعمق القضايا الإنسانية: هل يمكننا إثبات وجود الله بالعقل والمنطق؟ يبدأ الكتاب بمقدمة توضح الغرض الأساسي وهو تقييم الأدلة الفلسفية والتجريبية التي قد ترجح وجود الله أو تنفيه.


"القضية الأساسية ليست إذا ما كان هناك تناقض منطقي في مفهوم الإله، بل ما إذا كانت الأدلة الموجودة حولنا ترجح احتمال وجوده أو عدمه." (صفحة 1).


الفصل الأول: الحجج الاستقرائية

 

يتناول هذا الفصل الأنواع المختلفة للحجج الفلسفية، مع التركيز على الفرق بين الحجج الاستقرائية والاستنتاجية. يؤكد المؤلف أن الحجة الاستقرائية لا تهدف إلى تقديم استنتاج يقيني، بل تسعى إلى جعل الاستنتاج أكثر احتمالاً بناءً على الأدلة.

 

اقتباسات رئيسية:

 

حول أنواع الحجج الاستقرائية:

 

"الحجج الاستقرائية الجيدة تختلف بين نوعين: تلك التي تجعل النتيجة مرجحة أكثر بناءً على المقدمات (P-inductive)، وتلك التي تضيف إلى احتمالية النتيجة دون أن تجعلها أكثر من 50% (C-inductive)." (صفحة 5-6).

 

عن الغرض من الحجج:

 

"الغرض من الحجج هو جعل الأشخاص العقلانيين يقبلون النتائج. لتحقيق ذلك، يجب أن تكون المقدمات معروفة بأنها صحيحة لأولئك الذين يناقشون النتيجة." (صفحة 6).

 

أمثلة تطبيقية:

 

"الأدلة الرصدية عن سلوك الشمس والقمر والكواكب تجعل من الأرجح أن الأرض ستواصل الدوران حول محورها خلال الساعات الأربع والعشرين القادمة، وبالتالي شروق الشمس غدًا." (صفحة 5).

 

حول العلاقة بين الأدلة والنتائج:

 

"حتى عندما تكون هناك أدلة تدعم فرضية، فإنها لا تمنع أن تدعم أدلة أخرى فرضية منافسة. هذا ليس عيبًا في الحجج، بل هو سمة من سمات الحجج غير الاستنتاجية." (صفحة 19).

تحليل:

 

يشرح المؤلف الفرق بين الحجة الاستقرائية التي تعتمد على الاحتمالات، مثل "إذا كان 70% من سكان منطقة ما كاثوليكيين، فإن شخصًا عشوائيًا من المنطقة لديه احتمال 70% أن يكون كاثوليكيًا"، وبين الحجج الاستنتاجية التي تقدم نتائج مؤكدة. يوضح أهمية فهم الأدلة بشكل نقدي، وخاصة عند تطبيقها على قضايا كبيرة مثل وجود الله.

 

الفصل الثاني: طبيعة التفسير

 

الفصل الثاني يركز على أنواع التفسيرات، خصوصًا التفسير العلمي والتفسير الشخصي. يوضح الكاتب أن التفسير العلمي يعتمد على القوانين الطبيعية والشروط الأولية، بينما يعتمد التفسير الشخصي على نوايا وأفعال كائنات عاقلة. يتناول الفصل أيضًا العلاقة بين هذين النوعين وكيف يمكن أن يكونا مكملين لبعضهما.

 

اقتباسات رئيسية:

 

حول الفرق بين التفسير العلمي والشخصي:

 

"التفسير العلمي يوضح الظواهر بناءً على القوانين الطبيعية والشروط الأولية، بينما يفسر التفسير الشخصي الظواهر بناءً على نوايا وتصرفات كائن عاقل." (صفحة 45)​

.

 

حول قابلية الظواهر للتفسير:

 

"يمكن أن توجد تفسيرات علمية وشخصية متزامنة لبعض الظواهر، لكن أحيانًا نحتاج إلى تحديد أي تفسير هو الأجدر للاعتماد عليه." (صفحة 46)​

.

 

حول التفسير بإرادة الإله:

 

"عندما يدعي المؤمن أن فعل الله يفسر الظواهر، فإنه يستند إلى تفسير شخصي لظواهر قد تكون خارجة عن قدرة التفسير العلمي." (صفحة 47)​

 

عن حدود العلم:

 

"العلم يفسر لماذا تحدث بعض الظواهر، ولكنه لا يستطيع تفسير لماذا توجد قوانين الطبيعة نفسها." (صفحة 74)​

 

يتبع في المقال القادم

هل الانسان مجرد اله ؟

 



هل الانسان حقاً مجرد اله ؟ او بالمعنى الاصح هل الكائنات الحية عبارة عن مجموعة من الإسلاك والطاقة الكهربائية مثلها مثل الآلات ليس اكثر ؟ في الحقيقة من يقرا في تاريخ الفلسفة يجد ان مثل هذا السؤال راود الفلاسفة عبر العصور حتى ان الفيلسوف الفرنسي لا ميتري  Julien Offray de La Mettrie قد كتب كتاب تحت عنوان MAN A MACHINE وقال فيه الاتي

 

الإنسان آلة معقدة للغاية لدرجة أنه من المستحيل الحصول على فكرة واضحة عن هذه الآلة مسبقًا، ومن ثم يصبح من المستحيل تعريفها. لهذا السبب، كانت جميع التحقيقات التي أجراها أعظم الفلاسفة عبثًا عندما استخدموها a priori، أي عندما اعتمدوا على "أجنحة الروح"، إذا صح التعبير. لذلك، فإن الطريقة الوحيدة للوصول إلى أعلى درجات الاحتمالية بشأن طبيعة الإنسان هي من خلال a posteriori، أو من خلال محاولة فكّ ارتباط الروح عن أعضاء الجسد، حتى وإن كان من غير الممكن اكتشاف طبيعته بيقين تام.[1]

 

ففي ثنايات الكتاب كان لا ميتري يحاول ان يستخدم معرفته كطبيب لكي يثبت ان الروح ماهي الا خرافة وانه لا يوجد شيء غير مادي في الانسان ولكن على العكس فالكائن الحي هو مجرد مادة ليس اكثر مجرد اله يتحكم فيها العقل عن طريق نواقل عصبية بمعنى أوضح نستطيع ان نتخيل قول لا متري على النحو الاتي

 



 

فهذا هو الشكل الذي كان يحاول لا ميتري انه يقوله لنا ولكن هل هذا حقا هو الكائن الحي مجرد مادة ليس اله ليس اكثر ؟

في الحقيقة نحن لا نرفض اننا مادة فهذه هي طبيعتنا حتى التي قالها الكتاب المقدس ( وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ (سفر التكوين 2: 7) وقال فيها القديس غريغوريوس النزينزي:

 

"أخذ الله من غبار الأرض وشكل الإنسان." في هذا العالم، اكتشفت التأكيدين أنه لا شيء وأن الإنسان عظيم. إذا اعتبرت الطبيعة فقط، فهو لا شيء ولا قيمة له؛ لكن إذا نظرت إلى الشرف الذي تم معاملته به، فالإنسان شيء عظيم [2]

 

وأيضا اود ان أقول ان العلم الحالي لا يمكنه ان يؤكد لنا او ينفي وجود الروح بشكل او باخر وهذا امر طبيعي فالعلم قائم على دراستنا كبشر للواقع المادي المحيط بنا [3] ولكن هل هذا يعني اننا ننفي وجود الميتافيزيقيا ونتبع المنهج الخاص بلا ميتري ومن وافقه من الفلاسفة ؟ في الحقيقة هذا السؤال نستطيع الرد عليه بما أورده الفيلسوف اللاأدري برتراند راسل فيقول :

 

لقد أعلن معظم أساطين الطبيعة وعدد من علماء الأحياء البارزين في الأزمنة الحديثة أن تقدم العلم حديثاً قد أثبت بطلان المادية القديمة، ومال إلى تأييد حقائق الدين [4]

 

وهنا يجب ان نتسأل هل ننفي الميتافيزيقيا ونعتبر الانسان مجرد اله لمجرد ان العلم الذي يختص فقط بدراسة المادة لم يقدم دراسة بخصوص الروح ؟ كما ذكر راسل ان اساطين الطبيعة والعلماء البارزين نفوا النظرية المادية القديمة وهي من النوع الذي كان ينادي به لا ميتري ولكن نطرح أيضا السؤال الاتي هل نستطيع ان نفصل الميتافيزيقيا عنا ؟ ايمانويل كانط قد استفاض في الحديث عن هذه النقطة فيقول الاتي :

 

لقد كان عليَّ إذاً أن أضع العلم جانباً لكي أحصل على مكان للإيمان، وإن دوغمائية الميتافيزيقا - أعني غرورها ـ التي تدفعها إلى الاعتقاد بأنها قادرة على تحقيق تقدَّم فيها من دون نقد للعقل المحض، هي المصدر الحقيقي لكلِّ إلحادٍ معادٍ للأخلاقية - ودائماً ما يكون هذا الإلحاد شديد [التطرّف] دوغمائياً ـ فإذا لم يتعذر علينا إذاً أن تبقي للأجيال المقبلة إرثاً بميتافيزيقا منهجية مُسترشدة بنقد العقل المحض، فلن تكون هذه هدية قليلة الشأن، سواء نظرنا إلى ثقافة العقل التي تتم بدخوله الطريق الآمنة لعلم بشكل عام، مقارنة بطريقته في التخبط من دون مبادئ وتجوُّله الطائش خلوا من النقد، أو اعتبرنا] أيضاً الاستغلال الأفضل للوقت الناتج منه من جانب شبيبة متعطشة إلى المعرفة تجد في الدوغمائية المعتادة تشجيعاً مبكراً وقوياً [5]

 

فالموضوع ليس فقط يحصر في العقل المحض لان العقل المحض مصدر معرفته هي الحواس كما قال كانط في بقية كتابه فلو اتباعنا ما قاله ديكاردت في كتابه التأملات نستطيع ان نستخلص ان الانسان في ذاته يوجد ميل نحو الميتافيزيقيا يوجد شعور داخلي في الانسان يميل الي الشك ومن خلال الشك نصدق اننا موجودون فالموضوع ليس مجرد الاعتماد على ما تقدمه الحواس ولكن هناك ما هو اعمق يكمن في داخلنا

 

 

 



[1] Man a Machine by Julien Offray de La Mettrie (French-English Edition) Includes Frederick the Great's "Eulogy" on La Mettrie and extracts from La Mettrie's "The Natural History of the Soul" Philosophical and Historical Notes by Gertrude Carman Bussey, M.A., Wellesley College ) P . 89

[2] Hadwiga Hörner, ed. Gregorii Nysseni Opera Supplementum. Leiden: E. J. Brill, 1972. Louth, A., & Conti, M. (2001). Genesis 1-11. Ancient Christian Commentary on Scripture OT 1. Downers Grove, Ill.: InterVarsity Press.

[4]  النظرية العلمية - برتراند راسل – ترجمة عثمان نويه – ص 93

[5]  مقدمة الطبعة الثانية من كتاب نقد العقل المحض


الرد على الكاهن الملحد الفيلسوف الفرنسي جان ميسليية ( المقالة الاولى )


 



المقدمة


قبل الشروع في الرد على جان مسلييه يجب في البداية ان نتعرف عنه ولماذا كتبت في العنوان انه كاهن ملحد , كان جان ميسليية (1664-1729) قسًا وفيلسوفًا كاثوليكيًا فرنسيًا اشتهر على نطاق واسع بعمله بعد وفاته، وهو نقد عنيف للدين، وخاصة المسيحية، ومؤيد قوي للإلحاد والمادية. جعلته كتاباته، وخاصة مخطوطته Mémoire contre la religion (مذكرات ضد الدين)، التي تركها وراءه بعد وفاته، أحد أوائل الملحدين المعروفين في العالم الغربي الحديث والكتاب الذي لدينا منه هو كتاب بعنوان TESTAMENT ( العهد )

 

نقد أفكار ميسليية حول الأديان

 

في الفصل الأول من الكتاب بيعرض لنا ميسليية نظرته عن الأديان عموماً فهو يرى أن القادة يستغلون جهل الناس وسذاجتهم من أجل تعزيز سلطتهم وثرواتهم، ويؤكد أن رجال الدين يروجون للأكاذيب والخرافات ليس من أجل التنوير الروحي، بل لتحقيق مصالحهم الشخصية، مما يبقي الشعوب خاضعة ومستسلمة. ويشير إلى أن التحالف بين الدين والاستبداد السياسي يرسخ الظلم الاجتماعي والاقتصادي، حيث يدعم كل منهما الآخر في السيطرة على المجتمع. ونستطيع القول هنا ان هذه النظرة هي انعكاس للواقع الذي كان يراه ميسليية من رجال الدين والسياسيين في هذا الزمن

 

انما منذ القرن 16 ، فقدت المحاكم الإقطاعية في فرنسا مظاهـرهـا الإقطاعية . إذ بموجب مرسوم ( أورليان ( الصادر عام 1582 ، أصبح القضاة ملزمين بالخضوع لامتحان معين ثم يصار إلى قبولهم من قبل القضاة الملكيين . وقد قام كبار الأسياد ( أساقفة ، فرسان ) بتطبيق هذا المرسوم ، حيث كانوا يستخدمون لديهم قانونيين لا يقلون جدارة عن قانونيي الملك . بالمقابل ، كان صغار النبلاء اليريتانيين يعينون أحياناً قضاة جهلة ، عاجزين عن إرساء العدالة . بكل حال ، وفيما يخص الفقهاء المشترعين في النصف الثاني من القرن 16 ، فإنهم كانوا يحصلون على وكالة خاصة من القضاء الملكي : نذكر على سبيل المثال أن « جان بودوان » كان يعتبر أن القضاء هو بصورة أساسية حق ملكي ، كما معاصره « دار جنتریـه » يعتبره وكأنه مهمة تهدف إلى إرساء الراحة ورغد العيش . وفي القرن 17 ، يوجز المشترع البريطاني النظرية على النحو التالي : يناط القانون دائماً بالملك ، أما عملية نقله إلى الأسياد الإقطاعيين فلم تكن سوى تعبير عن قوة السلطة بالمقابل ، كان الفلاحون في هنغاريا ، عملياً ، خارج إطار السلطة الملكية ، وخاضعين لسلطة السيد الإقطاعي أو ممثل هذا الأخير : أي الوالي . إذ في كل قرية ، كان يوجد على رأس كل مجموعة قروية مسؤول هو القاضي . وهو فلاح يعينه السيد ومهمته تسوية القضايا البسيطة . وفي الواقع ، كان الوالي يجبي الأتاوى الإقطاعية ، وضريبة الدولة ويمارس القضاء بموجب أحكام القانون الثلاثي » ، الذي يعتبر أساس القانون العام ومنبع الإيديولوجيا الخاصة بطبقة النبلاء [1]

 

فمن خلال البيئة التي عاش بها ميسليية نستطيع ان نعرف لماذا قال هكذا عن الدين وفي الحقيقة انا لا اخالفه الراي كلياً لان الدين يمكن استخدامه كمخدر للشعوب كما قال ماركس ولكن هل يعني هذا ان الدين في ذاته سئ ؟ نحن لا نستطيع ان نقول عن عقيدة او فكرة انها سيئة قبل ان نفحصها ولكن حين نتحدث عن الدين عموماً في جوهره كمعتقد ليست به مشكلة وهذا يختلف طبعا عن فكرة مقارنة الأديان لأني اتحدث هنا عن تبني الانسان لمعتقدات دينية معينة بشكل عام ثم يمكننا حفص هذه المعتقدات للتأكد هل هي تصلح ان تبني الانسان ام هي أفكار هدامة ويجب مقاومتها فإذن ليست المشكلة في اعتناق عقائد دينية كما يقول ميلسيية ولكن المشكلة الحقيقية هي في طبيعة العقيدة نفسها

 

التعليق على نقد ميسليية ليسوع

 

فيقول ميسليية عن المسيح ( وأخيرًا، أنه كان أحمق، ومجنونًا، ومتعصبًا بائسًا، ووغدًا بائسًا. ومع ذلك، فإن أتباع المسيح ينسبون إلى هذه الشخصية الألوهية. إنها شخصية يعبدونها كمخلص محب وإلهي وابن كلي القدرة لإله كلي القدرة. ومن الواضح أنهم بهذا يجعلون أنفسهم أكثر سخرية واستحقاقًا للوم من الوثنيين الذين نسبوا الألوهية فقط إلى رجال عظماء ذوي شخصيات قوية وفضائل نادرة وفريدة من نوعها أو قدموا بعض الخدمات البارزة أو منفعة مهمة للجمهور. "ولذلك، فمن الواضح أن المسيحية لم تكن في البداية إلا تعصبًا حقيقيًا، بل وحتى تعصبًا دنيءًا وحقيرًا، حيث كانت في البداية مجرد طائفة من الناس الدنيءين والحقيرين الذين ادعوا أنهم يتبعون بشكل أعمى الأفكار والتخيلات والمبادئ والآراء الزائفة لمتعصب دنيء وحقير جاء من أمة دنيئة وحقيرة نجحت بالفعل في إقناع تلاميذها بما قاله بشأن ما يسمى بإعادة تأسيس مملكة إسرائيل وجميع الوعود الجميلة الأخرى التي قدمتها وأنهم سيسألونه عما إذا كانت ستتم قريبًا (أعمال الرسل 1: 6).

 

كما ذكرنا مسبقا ان الهجوم على المسيحية من قبل ميسليية كان الهدف منه هو اضعاف السلطة الدينية التي سيطرت على الوضع السياسي في البلد حتى لو كان كلامه متناقضاً فنجد ان ميسليية نفسه يمتدح تعاليم المسيح الذي اهانه

 

فيقول ميسليية ( لقد لاحظتم أيضًا أنني لم أكن متمسكًا كثيرًا بالمكاسب الدينية التي تأتي من عملي الكهنوتي، إذ كنت غالبًا ما أتجاهلها وأتخلى عنها عندما كان بإمكاني الاستفادة منها، ولم أكن أطلب المنافع أو أطالب بإقامة القداسات والتبرعات. كنت سأجد دومًا متعة أكبر في العطاء من الأخذ، لو كانت لدي الوسائل لأتبع ميولي؛ وفي العطاء، كنت سأميل دائمًا إلى مراعاة الفقراء أكثر من الأغنياء، متبعًا مبدأ المسيح الذي قال (كما ورد في رواية القديس بولس، أعمال 20: 35) إنه من الأفضل العطاء على الأخذ؛ وكذلك متبعًا نصيحة المسيح نفسه الذي أوصى من يعد وليمة ألا يدعو الأغنياء الذين لديهم القدرة على رد الجميل، بل الفقراء الذين لا يملكون ذلك (لوقا 14: 13). [2]


وغير ميسليية من الفلاسفة الذين مدحوا يسوع وتعاليمه فيقول فولتير أيضا

 

تدعو أقوال المسيح وأفعاله قاطبة إلى اللطف والصبر، والحلم. مثال على ذلك رب الأسرة الذي يفتح ذراعيه لابنه الضال، والعامل الذي وصل في آخر ساعة وتقاضى أجره بكامله أسوة بسواه، والسامري فاعل الخير. وقد برّر المسيح، بنفسه، لتلامذته عدم صيامهم، كما غفر للخاطئة، واكتفى بأن أوصى المرأة الزانية بالإخلاص لزوجها. بل تنازل فجارى المدعوين إلى عرس قانا الجليل واستجاب لإلحاحهم في طلب المزيد من الخمر مع أنهم كانوا انتشوا منه: فصنع معجزة من أجلهم بأن حوّل الماء إلى خمر. ولم يغضب حتى على يهوذا الذي سوف يخونه؛ وأمر بطرس بألا يُشهر سيفه أبداً في وجه أحد [3]

 

فهل شخص مثل المسيح الذي كان محب وحنون ويصنع الخير دائماً ( الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ،(سفر أعمال الرسل 10: 38) اصبح شخص شرير وسئ هذا الرجل المحب اصبح شخص سئ !!

 

لقد جعلهم يشعرون بالأمن والأمان، ولم يعد من الضروري الخوف من الأرواح الشريرة، أو الناس الأشرار، أو العواصف في البحيرة، ولم يكن عليهم أن يقلقوا كيف يلبسون، أو ماذا يأكلون، أو أن يخافوا من المرض، إنه لأمر رائع أن نعرف أن يسوع يطمئنهم ويشجعهم بكلمات مثل: "لا تخافوا" ، "لا تقلقوا" ، "افرحوا و تهللوا" (مر ٣٦:٥، ٦: ٥٠) ، (متى ٦: ٢٥ و ٢٧ و ۲۸ و ۳۱ و ٣٤)، (۲۹ و ۲۲)، (۱۰: ١٩ و ٢٦ و ۲۸ و ۳۱)، (۱٤ : ۲۷)، (لو ۱۲ : ۳۲) ، (يوحنا ١٦: ٣٣) ، وفي جميع النصوص المماثلة انظر أيضًا (مر ٤: ١٩ و ٤٠) ، (١٠: (٤٩) ، (لو ١٠ : ٤١). لم يشفهم يسوع ويغفر لهم خطاياهم فحسب، بل أزال خوفهم وخلصهم مما يقلقهم، فحضوره وسطهم يحررهم [4]

 

هل الشخص الذي يبذل نفسه من اجل الاخريين سئ ( "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ»." (لو 19: 10). "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ»." (مر 10: 45). ( "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ." (يو 15: 13) "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ».." (لو 9: 56).. هل هذا ندعوه بهذه الاقوال التي قال به ميسليية عنه ؟ ان كنا سوف نقول هذا عن المسيح فماذا سوف نقول عن نيرون ؟ او الاباطرة الذين ابادوا الشعوب بالسيف من اجل توسيع ممالكهم ؟ أي ملك او امبراطور يبذل نفسه عن شعبه كما فعل المسيح ( "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ." (يو 10: 11) وفي النهاية يا صديقي ما علم به اتباع يسوع ينفي ان تكون المسيحية عقيدة تعصب

 

الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ،" (1 كو 13: 4)."وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ، وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ، وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ، وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلَسْتُ شَيْئًا." (1 كو 13: 2).وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ، وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئًا." (1 كو 13: 3)."الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ،" (1 كو 13: 4). "وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّوءَ،" (1 كو 13: 5)."وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ،" (1 كو 13: 6)."وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ." (1 كو 13: 7) "اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا. وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَالْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ." (1 كو 13: 8).

 

وكما يعلم القديس يوحنا ذهبي الفم ( ماذا بخصوص أعدائنا الوثنيين؟ أما يجوز لنا أن نبغضهم؟ لا! نحن لا نبغضهم، بل نبغض تعليمهم. لا الشخص بل سلوكه الشرير وفكره الفاسد ) [5] فنحن لا نبغض او نكره احد وهذه من اعظم تعاليم المسيحية ( "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،" (مت 5: 44) ولكن كلام ميسليية هو ملئ بالكره والبغض اتجاه اليهود واتجاه المسيحية

 

نقد ميسليية للايمان والرد على النقد

 

يرى ميسليية ان الإيمان هو أيضًا مصدر وسبب للمتاعب الأبدية والانقسامات بين البشر" كيف أن الإيمان، وخاصة في سياق الأديان المختلفة، يؤدي إلى الصراعات والانقسامات المستمرة بين الناس. يوضح ميسلييه أن الإيمان الأعمى والاعتقادات الراسخة تُنتج تناقضات ومشاكل لا حصر لها، حيث ينقسم الناس إلى معسكرات مختلفة بناءً على معتقداتهم، مما يؤدي إلى النزاعات والحروب والاضطهادات

 

في الحقيقة انا اتفق واختلف معه فيما طرح فموضوع الاختلاف والصراعات على الدين او الايمان بمعتقد ما اما يكون في اصله تعصب وبهذا نستطيع ان نتفق مع ميسليية في نقده لهذا المعتقد او ان يكون المعتقد خالي من التعصب وبتالي يكون السبب في هذا هو الانسان نفسه فنحن نستطيع ان نلقي الضوء على مثال في العهد الجديد عن مثل هكذا امر

 

"وَدَاخَلَهُمْ فِكْرٌ مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ فِيهِمْ؟" (لو 9: 46). "فَعَلِمَ يَسُوعُ فِكْرَ قَلْبِهِمْ، وَأَخَذَ وَلَدًا وَأَقَامَهُ عِنْدَهُ،" (لو 9: 47). "وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ قَبِلَ هذَا الْوَلَدَ بِاسْمِي يَقْبَلُنِي، وَمَنْ قَبِلَنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي، لأَنَّ الأَصْغَرَ فِيكُمْ جَمِيعًا هُوَ يَكُونُ عَظِيمًا»." (لو 9: 48). "فَأجَابَ يُوحَنَّا وَقَالَ: «يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِدًا يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِكَ فَمَنَعْنَاهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ يَتْبَعُ مَعَنَا»." (لو 9: 49). "فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ تَمْنَعُوهُ، لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا»." (لو 9: 50).

 

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: يليق بنا أن نستخدم اللطف في اِستئصال المرض، فإن من يُصلح حاله خلال الخوف من آخر، يعود بسرعة فيسقط في الشرّ [6]

 

فالاختلاف هو امر طبيعي بين الناس ومن قال ياميسليية اننا مبرمجين على ان نسير كلنا على نفس المنهج كل شخص له قناعته وافكاره وكل شخص يختلف عن الاخر ولكن السؤال الحقيقي هنا هل يصح ان نقول ان مفهوم الاختلاف في ذاته شر او ان الشر يأتي من الفكرة ذاتها ومن أفعال الانسان ؟

 

يتبع في الجزء القادم



[1] موسوعة تاريخ أوروبا العام – المجلد الثاني – ص 357

[2] TESTAMENT  Memoir of the Thoughts and Sentiments of Jean Meslieh Jean Meslier The First English Translation ofthe Complete Work ( By Michael Shreve with a preface by Michel Onfray ) P , 40

[3]  رسالة في التسامح  - الفصل ١٤

[4]  يسوع قبل المسيحية – البرت نولان الدومينيكاني - ص ٨٩ ، ٩٠

[5]  In 1 Cor., hom., 35:2.

[6] In Matt. hom 24:2.