ملخص كتاب تاريخ القرآن للمستشرق الالماني ثيودور نولدكه ( الجزء الثاني - تدوين القران )


 


رغم الأهمية التي يعطيها محمّد للتدوين، لا يمكننا أن نتوقّع مقدارًا كبيرّا من الكمال أو أمانة حرفية، أقلّه في مكّة، حيث كان صراعه لكسب اعتراف الناس به مرسلاً من الله صراع حياة أو موت. بسبب الظروف الخارجية الضاغطة، بقي التدوين، حتى ولو كان في نية محمّد منذ البداية، مجرّد مشروعٍ لأكثر من مرّة. ولكن، في وقت مبكّر كان كلّ شيء يحفظ في الذاكرة التي كانت تخون النبيّ في بعض الأحيان. لهذا تراه، في سورة البقرة : ٢. ١٠٠/١٠٦ يعزّي المؤمنين، بقوله إنّ الله سوف يمنحهم بدل كلّ آيةٍ ذهبت ضحّية النسيان آيةً أفضل



عدا التدوين الذي كان محمّد نفسه وراءه، ربما كانت هناك أيضًا عمليات تدوين أخرى تتفاوت في حجمها، قام بها مناصرون غيورون لتعليمه بأنفسهم أو أوكلوا بها أخرين. إلى جانب هذا، كان هناك الحفظ في الذاكرة، الذي كان، في وقت كانت القراءة والكتابة من الفنون النادرة، ذا أهمّية كبيرة. إضافة إلى العدد غير القليل من الصحابة الذين حفظوا غيبًا مقاطع قصيرة، بقدر ما كان هذا ضروريًّا لتلاوة الصلوات، كان هناك أفراد استطاعوا أن يشحنوا ذاكرتهم بمقاطع أطول ويتلوها بأمانة الكتاب، وبهذا استطاعوا أن يحفظوا جزءًا من الوحي، لم يدوّن نصّه أبدًا أو ضاع في ظروف معيّنة، من الفقدان التام.



 إحدى الروايات التي تعود إلى زيد بن ثابت تدّعي أنَّ القرآن، في تلك الفترة، لم يكن قد جمع أبدًا، فإن وراء هذا القول تصوّر آخر يقوم على الأخبار التي تتحدّث عن سخةٍ أنجزها أبو بكر  حسب هذه الأخبار كان الخليفة قد وجد نصوص الوحي مبعثرة ومتفرّقة أو، كما يضيف السيوطي، غير مجموعة في مكان، أو مرتّبة في سور. لا تتفق هذه النظرة تمامًا مع ما توصّلنا إليه من نتائج في الفصول السابقة، حيث قلنا إنّه لم يكن هناك سور فحسب، كانت منذ البداية تشكّل وحدات أدبية، بل أيضًا سورٌ كان محمّد نفسه قد وضعها في أوقات لاحقة انطلاقًا من مقاطع من أصول مختلفة.



لا يمكن للمرء أن يتصوّر إلى أيّ درجة كانت معرفة القرآن يسيرة عند مسلم عاديّ من بدايات الإسلام. فبعد معركة القادسيّة أمر عمر قائد الجيوش سعد بن أبي وقّاص أن يوزّع البقايا الكبيرة من الغنائم على «حملة القرآن». فلما أتى إليه عمر بن معد يكرب، رجل الحرب المشهور، وسئل عن معرفته بالوحي، اعتذر قائلاً إنّه اهتدى إلى الإسلام في اليمن، وكان دائمًا بعد ذلك في الحرب، ولم يكن لديه الوقت الكافي، ليحفظ القرآن غيبًا. أمّا بشر بن ربيعة الذي من الطائف، فأجاب، حين بادره سعد بالسؤال نفسه، بالجملة الافتتاحية، «بسم الله الرحمن الرحيم» .

وحين توجّه إلى الأنصار في معركة اليمامة قائدهم مشرّفًا إياهم بدعوتهم ((أهل سورة البقرة»، أسف أحد المحاربين من طيء لأنّه لا يعرف من هذه السورة ولا آية واحدة غيبًا .



عند المسلمين، كما رأينا، ثلاثة آراء مختلفة، حول نشوء المجموعة القرآنية الأولى . بحسب الرأي الأوّل - وهو التقليد السائد - تمّ هذا الجمع في أيام أبي بكر، وبحسب الثاني في أيام عمر، أمّا بحسب الرأي الثالث فقد بدأ العمل في أيام أبي بكر وانتهى في أيّام خلفه.



إنّ ربط جمع القرآن بمعركة اليمامة ربطٌ ضعيفٌ جدًّا . يشير كتاني .ا) إلى أنّنا نجد في لوائح المسلمين الذين سقطوا في عقربا ممن تنسب إليهم معرفة واسعة بالقرآن، وذلك لأنّهم كلّهم تقريبًا ينتمون إلى صفوف المهتدين حديثًا. ولهذا السبب، ليس صحيحًا أنّ كثيرين من حفظة القرآن سقطوا في هذه المعركة وأنّ أبا بكر كان قلقًا من هذا، كما تدّعي بعض الروايات. ليس من اعتراض على هذا، طبعًا، إذا افترضنا، أن اللائحة التي وضعها كتاني،  والتي تضم ١٥١ شخصًا ممن فقدوا في المعركة، كاملة، وأنّ معرفتنا بحفظة القرآن في ذلك الوقت معرفة كاملة إلى حدّ ما .



لا يساعدنا مضمون الرواية على معرفة ما إذا كان في هذا الخليط من التناقضات والأخطاء شيء من الحقيقة التاريخية. لهذا علينا أن نحاول إيجاد نقاط ارتكاز في شكل الرواية لكي نصل، بتحليل أدبيّ، إلى النواة الأقدم. يدعم العدد الكبير من الروايات أن يكون جمع القرآن مسألة تتعلّق بالدولة.



إنّ الصورة التي نملكها عن وضع تدوينات القرآن بعد موت محمّد شديدة الغموض. إضافة إلى كون هذه التدوينات مبعثرة وغير منظّمة، فقد كانت محفوظةً على أكثر من عشرة أنواع من المواد على الأقلّ. ثمّة ما يثير الريبة في أنّ في الرواية مبالغة كبيرة، إمّا لإبراز جدارة الجامع، أو للتأكيد، بقوّة، على بساطة الزمن القديم .



من السنوات العشرين التي تفصل ما بين موت محمّد ونسخة عثمان، وصلت إلينا، بالإضافة إلى (صحف) حفصة أربع مجموعات شهيرة يقف وراءها الأشخاص الذين تحمل أسماءهم. وربما وجدت نسخ أخرى لم تكن لها هذه الأهميّة، لذلك لم يبق لها أثر في الروايات. تذكر الوثائق أسماء أشخاص أربعة عملوا على المجموعات القرآنية، وهم أبيّ بن كعب، وعبدالله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري، والمقداد بن الأسود.



فيما يتعلّق بانتشار النسخ التي تعود إلى هؤلاء الرجال، فقد استعمل الدمشقيون، أو بالأحرى السوريون، قراءة أُبيّ، والكوفيون قراءة ابن مسعود، وأهل البصرة قراءة أبي موسى، وسكان حمص قراءة المقداد.

 ولا عجب أن نكون نسختا ابن مسعود وأبي موسى قد لاقتا رواجًا في الكوفة والبصرة، وذلك لما لهذين الرجلين من مكانة مرموقة في تلك المدينتين. من جهة أخرى، لا نعرف شيئًا عن علاقة ظاهرة للمقداد بحمص ولأبي بسوريا



من نسخ هؤلاء الرجال لم تصلنا ولا واحدة. لذا، ليس بمقدورنا الإجابة على الأسئلة حول شكلها وترتيب النصّ إلاّ برجوعنا إلى مصادر غير مباشرة. أمّا نسخة المقداد، فلا أثر لها حتى في هذه المصادر. عن أبي موسى لا نعرف إلا ما ورد عنه في «الإتقان)) ١٥٤ ، وهو أنّه ضمّ إلى قرآنه سورًا من أُبيّ، والروايات التي نتحدّث على آيتين لم تردا إلاّ في نسخته



ثمّة أمر ذو أهمّية كبيرة، وهو أنّ مجموعة أبي تحوي سورتين لا نجدهما في النسخة الرسمية. وترد هاتان السورتان تارةً باسميهما الخاصّين، سورة الخلع، وسورة الحفد، وطورًا باسم الاختصار، سورتا القنوت، أو حتى سورة القنوت. أمّا تسميتهما (دعاء القنوت)، أو «دعاء الفجر»



بما أنّ هذه النصوص صلوات شكلاً ومضمونًا، لا يمكن نسبتها إلى الوحي إلا إذا كانت مسبوقة بالأمر (قل»، الذي يستعين به القرآن ليضفي الشريعة على الصلوات - مثل سورة الفلق ١١٣ والناس ١١٤ - وكلام محمّد الذاتي بكونها كلام الله. غير أنّ لفظ ((قل)) يغيب في بداية هاتين السورتين. لكن هذا بالضبط هو احد الاسباب التي تدعونا إلى الشك في أن تكون الفاتحة جزءًا من الوحي.



أمّا المعلومات المتعلّقة بثلاث آيات مفقودة، كانت في قرآن أُبيّ، فمؤكّدة.


تقول الآية الأولى: (لو أنّ لابن آدم واديًا من مال لا بتغى إليه ثانيًا ، ولو أنَّ له ثانيًا لا بتغى إليه ثالثًا، ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلا التراب، ويتوبُ الله على من تاب)). وردت هذه الآية، كما يظنّ، في سورة يونس ٢٥/٢٤ : ١٠، أو في مكانٍ ما في سورة البينة ١٦٠) ،٩٨) وهو أمر مستحيل نظرًا لاختلاف الفاصلة. كما يصعب إيجاد موضع آخر لها، وذلك لأنّ العبارة المستعملة هنا للإشارة إلى الإنسان، «ابن آدم»، غير قرآنية.


وتقول الآية الثانية: (إنَّ الدينَ عند الله الحنيفيةُ السمحةُ لا اليهوديةُ ولا النصرانيةُ، ومن يفعل خيرًا فلن يكفرَه)). يعتقد أنّ هذه الآية تنتمي إلى سورة البيِّنة ٩٨، وهو أمر غير ممكن لاختلاف المضمون والفاصلة. وهي، على الأرجح، غير أصيلة، فالأسماء المستعملة للإشارة إلى الديانات الثلاث المختلفة غريبة عن القرآن


وتقول الآية الثالثة: ((لا ترغَبوا عن آبائكم، فإنَّه كفر بكم. الشيخُ والشيخةُ إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله، واللهُ عزيزٌ حكيم)). لا يمكن أن تكون هذه الآية المسمّاة (آية الرجم» جزءًا من سورة الأحزاب ٣٣ - وذلك لاختلاف الفاصلة - أو من القرآن بشكل عام، لأنّ هذه القوانين الجزائية الرهيبة، كما بيّنت آنفًا، لم تظهر إلا بعد موت محمّد



وفي المناسبة عينها تلا أبو موسى، كما يروى، آية أخرى، كانت تنتمي إلى سورة تشبه السور المدعوة «المسبحات)). لا تساعدنا الرواية على أن نعرف ما إذا كانت هذه السورة قد ضاعت، أو أنّ أبا موسى كان يتلو من سورة معروفة في نسخنا، ولكنّ اسمها غاب عن ذاكرته. تقول الآية: ((يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، فتُكتَب شهادة في أعناقكم فتُسألون عنها يوم القيامة)) يتطابق الجزء الأوّل من هذه الآية مع سورة الصف ٢ :٦١. أمّا الجزء الثاني فيستحيل أن يكون ورد في سورة الصف ٦١ أو في أيّ من السور المسبِّحات الأخرى، بسبب اختلاف الفاصلة.



ليس من المستبعد، لا بل يرجَّح، أن يكون هناك، بالإضافة إلى المجموعات القرآنية الشهيرة التي تحدّثنا عنها، نسخ أخرى، لم تحظ بشهرة كبيرة، ولذا لم تترك أثرًا في المصادر. أمّا أن يقال مثلاً إنّ بعض رفاق النبيّ، كعليّ، قد رتّبوا السور زمنيًّا، فرواية لا تستحقّ التصديق.ذلك لأنّ هذا الترتيب يفترض فترة عمل

تفسيريّ علميّ طويلة، هذا إذا لم يكن القيام بهذا الترتيب مستحيلاً لأنّ محمّد نفسه، في التدوين الذي أمر به، كان يربط الآيات الحديثة بالقديمة

ملخص كتاب The Existence of God ( وجود الله ) للفيلسوف ريتشارد سوينبرن ( Richard Swinburne ) الجزء الثاني الحجة الكونية

 



عرف كانط الحجة الكونية بأنها تلك التي تبدأ من "تجربة غير محددة تمامًا" أو "تجربة الوجود عمومًا". لنقل، بشكل أكثر دقة، إنها الحجة التي تبدأ من وجود كائن محدود—أي كائن ذي قدرة أو معرفة أو حرية محدودة—بمعنى أي كائن غير الله. 


ومع ذلك، فإن بعض الحجج الأخرى التي سُمِّيت كونية قد بدأت فعليًا من شيء أكثر تحديدًا، وهو وجود كون مادي معقد؛ وسأقتصر في مناقشتي بشكل أساسي على هذه الحجج. أعني بالكون المادي كائنًا ماديًا يتكون من كائنات مادية مترابطة مكانيًا بعضها ببعض ولا ترتبط مكانيًا بأي كائن مادي آخر. (وأعني بـ "مترابطة مكانيًا" أنها تقع على مسافة معينة في اتجاه معين من بعضها البعض). 


كوننا المادي، أي الكون، هو الكائن المادي الذي يتكون من جميع الكائنات المادية، بما في ذلك الأرض، والأشياء الموجودة عليها، والغازات التي بينها. الكون هو الكون المادي الوحيد الذي لدينا معرفة يقينية به، لكنني أعرّفه بطريقة لا تستبعد الإمكانية المنطقية لوجود أكوان مادية أخرى.


من وقت لآخر، أخبرنا بعض الكُتّاب بأننا لا يمكننا الوصول إلى أي استنتاجات حول أصل الكون أو تطوره، لأنه هو الوحيد الذي لدينا معرفة به، ولأن البحث العقلي لا يمكنه الوصول إلى استنتاجات إلا حول الأشياء التي تنتمي إلى أنواع، فعلى سبيل المثال، يمكنه الوصول إلى استنتاج حول ما سيحدث لقطعة معينة من الحديد فقط لأن هناك قطعًا أخرى من الحديد يمكن دراسة سلوكها.


هذا الاعتراض يؤدي إلى نتيجة مفاجئة، وغير مرغوبة لدى معظم هؤلاء الكُتّاب، وهي أن علم الكونيات الفيزيائي لا يمكنه الوصول إلى استنتاجات مبررة حول أمور مثل حجم الكون، عمره، معدل توسعه، وكثافته ككل (لأنه الوحيد الذي لدينا معرفة به)، كما أن الأنثروبولوجيا الفيزيائية لن تتمكن من الوصول إلى استنتاجات حول أصل وتطور الجنس البشري (لأنه، وفقًا لمعرفتنا، هو الوحيد من نوعه). إن عدم معقولية هذه النتائج يدفعنا إلى الشك في صحة الاعتراض الأصلي، والذي يتضح في الحقيقة أنه مضلل تمامًا.


إذن، بالعودة إلى الموضوع الرئيسي، الحجة الكونية هي حجة تثبت وجود الله بناءً على وجود كائن محدود أو، بشكل أكثر تحديدًا، على وجود الكون المادي المعقد. على مدار الألفين وخمسمائة عام الماضية، ظهرت العديد من النسخ المختلفة لهذه الحجة، ولكن الأكثر شهرة هما الدليلان الثاني والثالث من بين الأدلة الخمسة التي قدمها الفيلسوف توما الأكويني لإثبات وجود الله.


في رأيي، أكثر نسخ الحجة الكونية إقناعًا وإثارة للاهتمام هما النسخة التي قدمها لايبنتز في مقاله "حول النشأة المطلقة للأشياء"، والنسخة التي قدمها معاصره صامويل كلارك في محاضرات بويل لعام 1704، والتي نُشرت تحت عنوان "برهان على وجود الله وصفاته".


يبدو أن لايبنتز هو الذي تعرضت حجته للنقد من قبل كانط في "نقد العقل الخالص"، بينما تعرضت حجة كلارك للنقد من قبل هيوم في "المحاورات". وعندما أتناول مثالًا تفصيليًا للحجة الكونية، سأركز على نسخة لايبنتز، لكن معظم ملاحظاتي ستنطبق على أغلب أشكال هذه الحجة.


إذا كانت هناك حجة تثبت وجود الله بشكل استدلالي صارم انطلاقًا من وجود كون مادي معقد، فإن القول بوجود كون مادي معقد مع إنكار وجود الله سيكون قولًا غير متماسك منطقيًا. أي سيكون هناك تناقض خفي في الجمع بين هاتين العبارتين. والطريقة الوحيدة لإثبات أن فكرة معينة غير متماسكة هي أن نستنتج منها عبارة غير متماسكة بشكل واضح (مثل عبارة متناقضة ذاتيًا).


قد يكون هناك، من الناحية النظرية، كون موجود اليوم دون أي تفسير علمي لوجوده. ولكن في الواقع، هناك تفسير علمي كامل لوجود كوننا اليوم يعتمد على كونه كان موجودًا في حالة معينة بالأمس (على سبيل المثال، احتواؤه على نفس كمية المادة والطاقة تقريبًا التي يحتويها اليوم)، بالإضافة إلى قوانين الطبيعة (بما في ذلك قانون حفظ المادة والطاقة) التي أثرت على حالته بالأمس لتنتج الكون في حالته اليوم.


يمكن التعبير عن هذا التفسير وفقًا للنموذج المعدل لهيمبل، حيث يتم تفسير الأحداث بناءً على الحالات السابقة للأشياء إلى جانب القوانين التي تفسر ما يحدث لاحقًا. وبالتالي، فإن حالة الكون بالأمس يمكن تفسيرها بالكامل من خلال حالته في اليوم الذي سبقه مع عمل نفس القوانين الطبيعية. ومن الواضح أنه يمكننا الاستمرار في تتبع هذه السلسلة إلى الماضي، مما يوفر تفسيرات كاملة لحالة الكون (وبالتالي لوجوده) لملايين السنين.


إذا اقتصرنا على التفسير العلمي فقط، فسيترتب على ذلك أن وجود الكون (بغض النظر عن كونه موجودًا منذ زمن محدود أو غير محدود) ليس له تفسير نهائي.


غالبًا ما افترض الفلاسفة، وأحيانًا جادلوا بذلك، ومن بينهم هيوم، أن امتلاك تفسير علمي لكل حالة من مجموعة من الحالات يعني تلقائيًا أن لدينا تفسيرًا للمجموعة بأكملها. وهذا ما عبر عنه هيوم بقوله:


( في سلسلة أو تعاقب من الأشياء، يكون كل جزء منها ناتجًا عن الجزء الذي سبقه، ويتسبب في ظهور الجزء الذي يليه، فأين تكمن الصعوبة إذن؟ ولكن قد يُقال إن الكل بحاجة إلى سبب، وهنا يجيب هيوم بأن جمع عدة أجزاء في كيان واحد، مثل توحيد عدة دول مستقلة في مملكة أو دمج عدة أعضاء منفصلة في جسد واحد، هو مجرد عملية ذهنية اعتباطية ولا تؤثر على طبيعة الأشياء نفسها. وبالتالي، إذا أوضحنا الأسباب الخاصة بكل جزء فردي في مجموعة مكونة من عشرين جزيئًا من المادة، فإن السؤال عن سبب وجود العشرين جزيئًا ككل يصبح غير منطقي، لأن تفسير أسباب الأجزاء يُعد كافيًا لتفسير الكل. ) 


بناءً على ما سبق، يتبع من المبدأ المذكور أنه إذا كان الكون ذا عمر محدود، وكان وجوده عبر الزمن لا يتعدى حدوث مجموعة محدودة من الحالات الماضية، كل منها يستمر لفترة محدودة (مثلًا عدد محدود من السنوات)، وكان السبب الوحيد لهذه الحالات الماضية هو الحالات السابقة لها (أي أن السببية العلمية وحدها تعمل)، فإن المجموعة الكاملة من الحالات الماضية لن يكون لها سبب وبالتالي لا يوجد لها تفسير.


نفس النتيجة تحدث إذا كان الكون قديمًا إلى درجة اللانهاية (وبذلك يتكون تاريخه من حدوث مجموعة لا نهائية من الحالات الماضية التي تستمر كل منها لفترة محدودة). في هذه الحالة، ستكون السلسلة اللانهائية بأكملها بلا تفسير كامل على الإطلاق، لأنه لن توجد أسباب لأعضاء السلسلة تقع خارج السلسلة نفسها. وفي هذه الحالة، سيكون وجود الكون عبر الزمن اللانهائي حقيقة لا يمكن تفسيرها.


سيكون هناك تفسير (من خلال القوانين) لسبب استمراره في الوجود بعد أن أصبح موجودًا، لكن ما سيكون غير قابل للتفسير هو وجوده طوال الزمن اللانهائي. إن وجود كون مادي معقد عبر الزمن المحدود أو اللانهائي هو أمر "أكبر من أن تشرحه العلوم".


ما زال الأمر كما كان من قبل، إذا كان لكل حالة من حالات الكون سبب كامل في الكون في وقت سابق يسببها، فلن يكون هناك تفسير ضمن النمط العلمي لسبب وجود الكون طوال التاريخ، بل فقط لسبب وجوده في لحظة معينة.


إذن، المسألة هي ما إذا كان هناك سبب شخصي يعمل من خارج الكون يسبب للأسباب داخل الكون أن تفعل ما تفعله. بمعنى آخر، المسألة هي ما إذا كانت قدرة الكون على الاستمرار في وجوده في اللحظة التالية، واحتمالية ممارستها لتلك القدرة، ليس لها تفسير في الوقت المعني، أو ما إذا كان وجودها وتشغيلها يعتمد على شخص يحفظها في الوجود ويشغلها. هل التفسير العلمي ليس مجرد تفسير كامل، أم أن له تفسيرًا يتعلق بشخص يختار استخدام الكون نفسه للحفاظ على الكون في الوجود (وأيضًا لإحضاره إلى الوجود إذا كان له بداية)؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن الشخص باستمراره في النية هو السبب النهائي لوجود الكون على مر الزمن اللامتناهي.




ملخص كتاب تاريخ القرآن للمستشرق الالماني ثيودور نولدكه ( الجزء الاول - مصادر نبوة محمد )

 


إن المصدر الرئيس للوحي الذي نُزّل على النبي حرفيًّا، بحسب إيمان المسلمين البسيط وبحسب اعتقاد القرون الوسطى وبعض المعاصرين، هو بدون شك ما تحمله الكتابات اليهودية. وتعاليم محمد في جلّها تنطوي في أقدم السور على ما يشير بلا لبس إلى مصدرها. لهذا، لا لزوم للتحليل لنكتشف أن أكثر قصص الأنبياء في القرآن، لا بل الكثير من التعاليم والفروض، هي ذات أصل يهودي .


لا نحتاج في هذا الصدد إلى رد كل المواد اليهودية إلى ثقات يهود. وقد تواجد اليهود في أماكن عدة من شبه الجزيرة العربية وكانوا يقيمون في مناطق يثرب التي كانت على صلة وثيقة بموطن محمد، وكانوا يترددون إلى مكة كثيرًا . مسيحية الفِرَق الشرقية نفسها كانت ذات طابع يهودي بارز. ولم يكن العهد الجديد يحوز في الكنيسة القديمة الاهمية نفسها التي كانت للعهد القديم في ما يختص بالتعليم والبنيان الروحي. كانت المسيحية على انتشار واسع في شبه الجزيرة العربية


بين القبائل المتواجدة على الحدود الفارسية - البيزنطية (كلب وطيء وتنوخ وتغلب وبكر)، وفي الداخل في تميم، وفي اليمن التي كانت منذ زمن طويل تحت سيطرة الحبشة المسيحية. وحيث لم تكن المسيحية متأصلة، وجد على الأقل المام بها .حتى أن بعض مشاهير شعراء القرن الذي سبق ظهور الإسلام يشي تفكيرهم وتقييمهم للأمور بانهم كانوا يلمون بالمسيحية، رغم أنهم حافظوا على وثنيتهم.

ينبغي علينا، إذًا، ان نأخذ بعين الاعتبار التأثير المسيحي على النبي إلى جانب التأثير اليهودي.


لا مجال للشك في إن أهم مصدر استقى منه محمد معارفه لم يكن الكتاب المقدس، بل الكتابات العقائدية والليتورجية. هكذا تشبه قصص العهد القديم الموجودة في القرآن صيغها المنمقة في الهاجادا، أكثر مما تشبه أشكالها الأولى . أما القصص المستقاة من العهد الجديد فهي أسطورية الطابع وتشبه في عض معالمها ما يُسرد في الأناجيل المنحولة، قارن على سبيل المثال سورة آل عمران ٤٨ ، ٤١/٤٦ :٣و/٤٣ ؛ سورة مريم ١٧ : ١٩ ، بإنجيل الطفولة، الفصل الاول؛ إنجيل توما، الفصل الثاني؛ ميلاد مريم، الفصل التاسع. ونجد الجملة الوحيدة القصيرة جدًّا التي اقتُبست حرفيا من العهد القديم في سورة الانبياء ٢١ : ١٠٥ : {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون)، قارن المزمور ٢٩ ،٣٧ . 



(( أما سورة الصف ٦ :٦١ التي يعِدُ فيها عيسى بأن الله سيرسل من بعده رسولاً اسمه أحمد، فلا أثر لها في العهد الجديد.))


لا نستبعد ان تكون تلك الترجمات الشفوية قد ابتدئ بتدوينها قبل الإسلام. وبما أن فن الكتابة كان معروفا لدى المكيين والمدنيين في زمن محمد (قارن أدناه صفحة ١٥) وكانت كتابة المراسلات المهمة (مثلاً كتب محمد إلى الاعراب) والعقود (كصلح الحديبية وعهد المدينة) معروفة أيضًا في ذلك الحين، فإنه ليس من المستبعد أن تكون العربية قد استعملت أيضًا لتدوين نتاج الشعراء والمغنين والقصاصين. الأدب ينبثق عن كتابة المناسبات. ولا بد من أن نكون الصحف التي كانت تحمل قصائد المدح والهجاء قد شهدت انتشارًا واسعًا (قارن إ. غولدتسيهر، مدخل إلى الحطيئة، في مجلة ٤٦ ZDMG، ص ١٨؛ الأغاني، ٢٠؛ ٢٤؛ ٢؛ ١٦ ؛ ديوان الهذليين ٦ ،٣؛ ديوان المتلمس ٢ ،٢؛ ديوان لبيد ١ ،٤٧ ؛ ديوان أوس بن حجر ٩ ،٢٣، الخ).


يتبين ان الحجج التي تؤيد القول إن محمدًا كان يستطيع القراءة والكتابة حجج واهية جدًا. فكيف بالحجج التي يسوقها من يود إثبات العكس؟ الحجة الأساسية هنا هي أن محمدًا يدعى في سورة الاعراف ١٥٧ :٧/ ١٥٨ ،١٥٦ النبي الأمّي، ما يشرحه كل المفسرين تقريبًا بأنه يعني ((النبي الذي بجهل القراءة والكتابة)). لكننا إذا تفحصنا كل الآيات القرآنية التي ترد فيها كلمة

«أمي» بدقة، وجدنا أنها تعني في كل الحالات نقيض «أهل الكتاب»، وهذا يفيد أن المراد بالكلمة ليس عكس القادرين على الكتابة، بل عكس من يعرفون الكتاب المقدس. في سورة البقرة ٧٣/٧٨ : ٢ يرد أنه ثمة حتى بين اليهود أمّيّون)، لا يفهمون من الكتاب إلا القليل. الكلمة، اذًا، تصف في حال محمد الوضع الذي كان يُشدّد عليه دائمًا، وهو أنه لم يكن يعرف الكتب المقدسة القديمة، بل عرف الحقيقة بواسطة الوحي فقط. الكلمة لا تعني من يجهل القراءة والكتابة


فلا يستبعد أن يحوز رجل، وجد في محيطه القريب عشرات من الرجال الذين استطاعوا القراءة والكتابة - أعرف فقط من ابن سعد (محقَّق) ٢ ،٣، فلهاوزن، (٤ (Wellhausen, Skizzen ، ص ١٠٥وو، والبلاذري، ص ٤٧١وو، أن عددهم كان ٢٦) ، ٤٤) ليس فقط بوصفه تاجرًا، ما يحتاجه من هذه الصنعة، ليس فقط من أجل تسجيل البضائع والاسعار والاسماء، بل أيضًا بسبب اهتمامه بكتب اليهود والمسيحيين المقدسة التي سعى إلى أن يتعمق بها معرفة.


حتى لو كانت الروايات التي تجمع لحمدًا براهب سرياني اسمه بحيرة أو نسطوريوس تحتوي نواة من الحقيقة، فلا يمكن للقاء كهذا أن يكون ذا أثر بالغ في نبوته. فحتى لو كان محمد سافر إلى سوريا مرارًا - والمئات من بني قومه قاموا بهذه الرحلة سنويًّا - لم يكن من الضروري لوثني من مكة أن يذهب إلى سوريا أو الحبشة ليتعرّف على ديانات الوحي، ولا أن يأتي مسيحي سوري أو حبشي إلى مكة ليتم ذلك. ففي مكان غير بعيد منها تواجد ما يكفي لهذا الغرض من اليهود والمسيحيين. لقد توفرت، إذا ، قنوات اتصال عديدة ومتنوعة، سرت عبرها المعارف الدينية إلى محمد. لكن اليقين البالغ الحماس الذي امتلكه محمد، واثقًا من رسالته الالهية، لم يدع له إلا مصدرًا نعليًّا واحدًا للحقيقة، ألا وهو الله وكتابه السماوي


أحد أهم مصادر تعاليم محمد كانت الاعتقادات الدينية التي اعتنقها قومه.وما من مصلح يمكنه أن يتنصل تمامًا من المعتقدات التي تربى عليها. هكذا بقي لدى مؤسس الإسلام بعض من الاساطير القديمة (مثلاً حول الجن) وبعض الآراء الدينية التي كانت سائدة في زمن الجاهلية. والبعض الآخر منها احتفظ به عمدًا .أما الطقوس الممارسة في الكعبة والحج فقام بتعديلها لتلائم تعليمه،


إن الدين الجديد الذي قدِّر له أن يهز العالم كله، انصهر في وجدان محمد من مواد مختلفة.


___________________________________________


تعليق بسيط بخصوص هذه الجزئية (  مسيحية الفِرَق الشرقية نفسها كانت ذات طابع يهودي بارز. ولم يكن العهد الجديد يحوز في الكنيسة القديمة الاهمية نفسها التي كانت للعهد القديم في ما يختص بالتعليم والبنيان الروحي ) 


كنت قد ناقشتها في مكان اخر سابقاً ( https://epshoi.blogspot.com/2021/12/blog-post_11.html?m=1 )


ولكني انقل كلام الباحث كما ذكره للامانة العلمية 

ملخص كتاب The Existence of God ( وجود الله ) للفيلسوف ريتشارد سوينبرن ( Richard Swinburne ) الجزء الاول

 



في كتابه وجود الله، يأخذنا الفيلسوف ريتشارد سوينبرن في رحلة فكرية لاستكشاف واحدة من أقدم وأعمق القضايا الإنسانية: هل يمكننا إثبات وجود الله بالعقل والمنطق؟ يبدأ الكتاب بمقدمة توضح الغرض الأساسي وهو تقييم الأدلة الفلسفية والتجريبية التي قد ترجح وجود الله أو تنفيه.


"القضية الأساسية ليست إذا ما كان هناك تناقض منطقي في مفهوم الإله، بل ما إذا كانت الأدلة الموجودة حولنا ترجح احتمال وجوده أو عدمه." (صفحة 1).


الفصل الأول: الحجج الاستقرائية

 

يتناول هذا الفصل الأنواع المختلفة للحجج الفلسفية، مع التركيز على الفرق بين الحجج الاستقرائية والاستنتاجية. يؤكد المؤلف أن الحجة الاستقرائية لا تهدف إلى تقديم استنتاج يقيني، بل تسعى إلى جعل الاستنتاج أكثر احتمالاً بناءً على الأدلة.

 

اقتباسات رئيسية:

 

حول أنواع الحجج الاستقرائية:

 

"الحجج الاستقرائية الجيدة تختلف بين نوعين: تلك التي تجعل النتيجة مرجحة أكثر بناءً على المقدمات (P-inductive)، وتلك التي تضيف إلى احتمالية النتيجة دون أن تجعلها أكثر من 50% (C-inductive)." (صفحة 5-6).

 

عن الغرض من الحجج:

 

"الغرض من الحجج هو جعل الأشخاص العقلانيين يقبلون النتائج. لتحقيق ذلك، يجب أن تكون المقدمات معروفة بأنها صحيحة لأولئك الذين يناقشون النتيجة." (صفحة 6).

 

أمثلة تطبيقية:

 

"الأدلة الرصدية عن سلوك الشمس والقمر والكواكب تجعل من الأرجح أن الأرض ستواصل الدوران حول محورها خلال الساعات الأربع والعشرين القادمة، وبالتالي شروق الشمس غدًا." (صفحة 5).

 

حول العلاقة بين الأدلة والنتائج:

 

"حتى عندما تكون هناك أدلة تدعم فرضية، فإنها لا تمنع أن تدعم أدلة أخرى فرضية منافسة. هذا ليس عيبًا في الحجج، بل هو سمة من سمات الحجج غير الاستنتاجية." (صفحة 19).

تحليل:

 

يشرح المؤلف الفرق بين الحجة الاستقرائية التي تعتمد على الاحتمالات، مثل "إذا كان 70% من سكان منطقة ما كاثوليكيين، فإن شخصًا عشوائيًا من المنطقة لديه احتمال 70% أن يكون كاثوليكيًا"، وبين الحجج الاستنتاجية التي تقدم نتائج مؤكدة. يوضح أهمية فهم الأدلة بشكل نقدي، وخاصة عند تطبيقها على قضايا كبيرة مثل وجود الله.

 

الفصل الثاني: طبيعة التفسير

 

الفصل الثاني يركز على أنواع التفسيرات، خصوصًا التفسير العلمي والتفسير الشخصي. يوضح الكاتب أن التفسير العلمي يعتمد على القوانين الطبيعية والشروط الأولية، بينما يعتمد التفسير الشخصي على نوايا وأفعال كائنات عاقلة. يتناول الفصل أيضًا العلاقة بين هذين النوعين وكيف يمكن أن يكونا مكملين لبعضهما.

 

اقتباسات رئيسية:

 

حول الفرق بين التفسير العلمي والشخصي:

 

"التفسير العلمي يوضح الظواهر بناءً على القوانين الطبيعية والشروط الأولية، بينما يفسر التفسير الشخصي الظواهر بناءً على نوايا وتصرفات كائن عاقل." (صفحة 45)​

.

 

حول قابلية الظواهر للتفسير:

 

"يمكن أن توجد تفسيرات علمية وشخصية متزامنة لبعض الظواهر، لكن أحيانًا نحتاج إلى تحديد أي تفسير هو الأجدر للاعتماد عليه." (صفحة 46)​

.

 

حول التفسير بإرادة الإله:

 

"عندما يدعي المؤمن أن فعل الله يفسر الظواهر، فإنه يستند إلى تفسير شخصي لظواهر قد تكون خارجة عن قدرة التفسير العلمي." (صفحة 47)​

 

عن حدود العلم:

 

"العلم يفسر لماذا تحدث بعض الظواهر، ولكنه لا يستطيع تفسير لماذا توجد قوانين الطبيعة نفسها." (صفحة 74)​

 

يتبع في المقال القادم