لماذا نحن هنا

 



اريد ان افتتح هذا المقال بما قاله كاتب سفر الجامعة ( لأَنَّ مَا يَحْدُثُ لِبَنِي الْبَشَرِ يَحْدُثُ لِلْبَهِيمَةِ، وَحَادِثَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمْ. مَوْتُ هذَا كَمَوْتِ ذَاكَ، وَنَسَمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْكُلِّ. فَلَيْسَ لِلإِنْسَانِ مَزِيَّةٌ عَلَى الْبَهِيمَةِ، لأَنَّ كِلَيْهِمَا بَاطِلٌ." (جا 3: 19)


وفي الحقيقة الكاتب لم يخطي فالانسان علمياً ينصف بيولوجياً على انه حيوان يقوم بالأعمال البيولوجية التي تقوم بها الكائنات الحية ولكن اختلف الانسان عن هذه الكائنات بالوعي الذي قال فيه الفلاسفة العقل فكما قال ارسطو "الإنسان حيوان ناطق"ويقصد هنا بالنطق هو ( λόγος ) اي عاقل ومفكر "ζῷον λόγον ἔχον" فيشرح ارسطو ويقول


وبالمثل، بالنسبة للإنسان، فهل يمكن أن يُعين له عملٌ مميز بين كل هذه الأمور؟ فما هذا العمل إذن؟ فإن الحياة نفسها تبدو مشتركة حتى مع النباتات، ولكننا نبحث عن الخاص بالإنسان. لذلك يجب أن نستبعد حياة التغذية والنمو. وتليها حياة الإحساس، ولكن يبدو أن هذه أيضًا مشتركة مع الحصان والبقر وكل حيوان. فيبقى إذن نوعٌ من الحياة العملية التي تتعلق بما له عقل (λόγον ἔχοντος)، أي الحياة المرتبطة بالفعل العقلي 


فالانسان بيولوجياً لا يختلف حتى عن الحشرة اذا اردنا القول الصريح ولكنه لعُن بما يسمى العقل اي الوعي ، فالوعي الانساني متطور بشكل كبير عن وعي اي كائن اخر فكما يذكر تشارلز داروين 


الإنسان وهو قادر من خلال ملكاته الذهنية على أن يستمر بجسم غير متغير في حالة توافق مع العالم المتغير. فإن لديه قدرة عظيمة على تكييف سلوكياته مع الظروف الجديدة للحياة. فهو يقوم باختراع الأسلحة، والأدوات والتحايلات المختلفة للحصول على الطعام والدفاع عن نفسه. وعندما يرتحل إلى مناخ أكثر برودة فإنه يقوم باستخدام الملابس، وبناء الماوى، وإشعال النيران، وباستخدام النار فإنه يقوم بطهي الطعام غير القابل للهضم بدون ذلك. ويقوم بمساعدة رفاقه من البشر بطرق عديدة، ويقوم بتوقع الأحداث المستقبلية. وحتى إنه قد قام منذ وقت بعيد بممارسة شيء من تقسيم العمل


ومن خلال هذا الوعي طرح الانسان الاسئلة الوجودية على مثالية لماذا نحن هنا ومن انا ولماذا اموت الخ.. وظلت هذه الاسئلة تطارد الانسان وقد فسرها الانسان من خلا ثلاث طرق ( الدين ، الفلسفة ، العلم الحديث ) 


فالعمل الاول الذي فسر به الانسان الوجود وهو الدين كان رغم بساطته الا انه شكل حياته بشكل لا يوصف فيذكر لنا جيمس بريستد


والواقع أنه لا توجد قوة أثرت في حياة الإنسان القديم مثل قوة « الدين ،، لأن تأثيرها يشاهد واضحاً في كل نواحى نشاطه ، ولم يكن أثر هذه القوة في أقدم مراحلها الأولى إلا محاولة بسيطة ساذجة يتعرف بها الإنسان ما حوله في العالم ويخضعه بما فيه الآلهة لسيطرته ، فصار وازع الدين هو المسيطر الأول عليه في كل حين ، فما يولده الدين من مخاوف هي شغله الشاغل، وما يوحى به من آمال هي ناصحه الدائم ، وما أوجده من أعياد هي تقويمه السنوى ، وشعائره - برمتها - هي المربية له والدافعة له على تنميته الفنون والآداب والعلوم 


ولم تكن للاديان البدائية للانسان نصوص مكتوبة بل روايات شفهية وطقوس قام بها الانسان البدائي محاولاً تفسير الظهور التي من حوله مثل ان لكل ظاهرة طبيعية لا يفهمها اله ويحتاج هذه الاله الى طقوس محددة ثم بعد ذلك تطور هذا الوضع بعد اكتشاف الكتابة ولكن ظلت نفس الافكار متوارثة عن الالهة والكون في محاولة من الانسان لتفسير الواقع المحيط به فيذكر لنا ويل ديورانت عن اساطير مكتشفة في اقدم الحضارات وهي الحضارة السومرية 


ولم تكن فكرة الجنة والنار والنعيم الدائم والعذاب المخلد ، قد استقرت بعد في عقولهم ، ولم يكونوا يتقدمون بالصلاة والقربان طمعاً « في الحياة الخالدة » ، بل كانوا يتقدمون بهما طمعاً في النعم المادية الملموسة في الحياة الدنيا وتصف إحدى الأساطير المتأخرة كيف علمت إلى إلهة الحكمة أداباً حكيم إريدو جميع العلوم ، ولم تخف عنه من أسرارها إلا سراً واحداً ـ هو سر الحياة الأبدية التي لا تنتهى بالموت


وكانت هذه هي النظرة البدائية للانسان عن الحياة فكما قال جاك شورون ( فإذا كان الإنسان البدائي لا يبدى اهتماما بسبب الموت، فان ذلك يرجع إلى أنه يعرف بالفعل كيف يحل الموت … الموت إذن، بالنسبة للإنسان البدائي، هو نتاج عمل عدو أو تأثيره الشرير سواء في شكل إنساني أو روحاني ) فكان الهدف الاساسي للانسان هو ارضاء الالهة في الحياة الواقعية لانها كانت هي من تحكم هذا العالم في وجهة نظره ومن خلالها فسر الظواهر الطبيعية وسبب وجوده وهذا نجده في أسطر شعرية من الحضارة السومرية


بعد أن أبعدت السماء عن الأرض ،  وبعد أن فصلت الأرض عن السماء ،  وبعد أن عين اسم الانسان ( خلق الانسان ) ،  وبعد أن أخذ السماء ( آن ) ( اله السماء ) ،  وبعد أن أخذ الأرض ( انليل ) ( اله الهواء ) 


نقش إنكي، ربّ الكون من قصة الخلق السومرية (المصدر – missouristate.edu)

نقش إنكي، ربّ الكون من قصة الخلق السومرية (المصدر – missouristate.edu)



وحتى في حضارة اخرى مثل الحضارة المصرية القديمة كانت الالهة هي قوة الطبيعة نفسها فكما يذكر ياروسلاف تشرني


وقد حلل اللاهوت المصرى الخلق الميتافيزيقى للإله «شو» بأنه قد تم وجوده من خلال أنسام الحياة ، وهو تفسير يتسق إلى حد بعيد مع طبيعته كإله أثيرى قد نفته «أتوم» مستخدما قواه السحرية . ومنذ أن بشر اللاهوت الهليوبوليسي بأن «أتوم» ما هو إلا مظهر آخر لإله الشمس «رع» فان الاثنين اندمجا معا في مركب إلهى واحد هو «رع - أتوم» الذي بانبثاقه من دياجير الظلمة المطبقة للأوقيانوس الأزلى غمر ضياؤه كل شيء


اسطورة الخلق في الحضارة المصرية 




ومن هنا يمكننا ان نقول ان التفسير الاولي للبشر كان ان هناك الهة وهذه الالهة هي اما متحكمة في قوى الطبيعة او هي قوة الطبيعة نفسها وهي سبب ظهوره ونشأته وكان لابد من ان يقدم لها الطقوس ليس طمعاً في حياة اخرى بشكل عام ولكن حتى يعيش بساعة وراحة في الحياة الدنيا وترضى عنه الالهة


ومع النضج البشري اصبح الانسان يبحث عن طرق ثانية لتفسير ظهور الحياة وهنا تاتي الفلسفة لتحل له هذه القصة ومن نستطيع القول ان ظهور الفلسفة الايونية كان الطرق الاول للبحث عن سبب للكون بعيداً عن التصور الميثولوجي لظهور الحياة ومن اهمهم طاليس الذي قال بان كل الكائنات لها اصل واحد وهو اصل مادي وهو الماء فكما يذكر عنه ارسطو كما نقل لنا كوبلستون


ويروى أرسطو في كتاب «الميتافيزيقا أن الأرض عند طاليس نصف كرة فوق الماء ( ويبدو أنه كان يعتبرها قرصاً مستوياً طافياً على السطح. وأن أهم مسألة عنده هي أنه كان يعلن أن المادة الأولى لجميع الأشياء هي الماء. والواقع أنه أثار مشكلة الواحد بإطلاق.


ويعتقد أرسطو أن ملاحظات طاليس هي التي قادته إلى هذه النتيجة وربما نشأت عنده الفكرة من أنه رأى أن جميع الأشياء تتغذى من الرطوبة وأن الحرارة نفسها تنشأ من الرطوبة، وتظل حية بفضلها، وما منه تولد الأشياء فهو مبدؤها وأنه وصل إلى فكرته عن طريق هذه الواقعة ومن واقعة أن بذور جميع الأشياء لها طبيعة رطبة، والماء هو أصل طبيعة جميع الأشياء الرطبة 


وهنا نرى تطور في التصور البشري من ان الكون جاء عن طريق مادة وليس الهة وهذا كان ناتج عن بحث طاليس عن تفسير الظواهر الطبيعية بشكل طبيعي بعيداً عن التفسيرات التقليدية عن الالهة ولكن بعد عصر المدرسة الايونية ظهر هيرقليطس الذي علم عن اللوغوس وقال أنها مبدأ الحياة، والإرادة التي يخضع لها كل ما في الوجود . ومعناها في فلسفة انكسا غوراس Anaxgoras العقل Nous الإلهي أو القوة المدبرة للكون أو الواسطة بين الذات الإلهية والعالم 


وهكذا حاول الفلاسفة مع الوقت البحث عن سبب الوجود والاجابة على سؤال لماذا نحن هنا ولكن ظهرت مدارس مختلفة لهذه الفلسفات حتى وصلنا الى ان هناك عقل اسمى وهو السبب في ظهور هذه الحياة وتبلور وتطور هذا الفكر مع القديس توما الاكويني الذي قال عنه راسل 


يعتبر توما الأكويني (1226-1274) أكبر الفلاسفة المدرسيين. ففي المؤسسات التعليمية الكاثوليكية كلها تلك التي تعلم الفلسفة، يتوجب تدريس منهجه باعتباره الوحيد الصحيح فقط. هذه صارت القاعدة منذ القرار الذي أصدره البابا ليو الثالث عشر سنة 1879. لذلك، القديس توما ليس ذا أهمية تاريخية وحسب، بل هو ذو تأثير حي أيضاً، مثله مثل أفلاطون، أرسطو، كانت، وهيغل - وأكثر بالحقيقة من هذين الأخيرين


وظل فكر الاكويني مسيطر حتى جاء شخص حرك بركة المياة الراكدة ولا اقصد هنا رينيه ديكارت ولكن اقصد مؤسس الفكر البروتستانتي مارتن لوثر الذي ينقل لنا جان سبنله قول نيتشه عنه 


يمثل لوثر دائماً بالإضافة إلينا الحدث الألماني الذي هو أكثر الأحداث حداثة 


وكان لوثر هو السبب الاساسي في ظهور عصر التنوير لانه هو السبب الذي شجع الناس على القيامة بالبحث والدراسة حتى وصلنا الى الوقت الذي بزغ فيه ضوء العلم والذي كان شرارتها هو نيكولاس كوبرنيكوس الذي وضع الشمس في مكانها كمركز للمجموعة الشمسية ووضع الارض ككوكب مثل باقي الكواكب يدور حول الشمس وبداية من القرن ١٧ ظهر تقدماً صناعياً وتكنولوجياً ملحوظاً فقد ازدهرت صناعة البواخر والمدفعية ونواعير المياه والآلات الميكانيكية في المصانع والخ ... الي ان وصلنا الى النظرية التي فسرت واجابت على سؤال لماذا نحن كبشر هنا ونعم انا اعني نظرية التطور وفي الحقيقة لست في صدد اثبات صحة النظرية من عدمها ولكن اقول لك ما يقال حالياً في الأواسط العلمية فيقول ريتشارد داوكينز في كتابه اعظم استعراض فوق الارض تتزايد أدلة التطور فى كل يوم، وهى الآن أقوى من أى مما كانت عليه ولكن ليس هذا الموضوع الرئيسي ولكن الموضوع الرئيسي هو لماذا كل هذا اعني لماذا التطور والتكيف وكل هذا العناء؟ 


نظرية التطور تعتمد على التكيف والطفرات اي مايسمى الانتخاب الطبيعي وهو اكتسابك صفات قادرة على التكيف مع الظروف المحيطة بك وهذا له هدف واضح وهو انك مجرد مستودع لنقل الجينات ونعم عزيزي وجود ليس اكثر من مستودع لنقل جيناتك وللانجاب فقط وهذا الوجود حسب التفسير العلمي وسببه انك تريد الاستمرار في البقاء حتى لو توارثت هذه الجينات الى جيل اخر فنجد داوكينز يقول


نحن آلات بقاء. لكن الضمير ((نحن) لا يعني البشر فقط، وإنما أيضاً الحيوانات والنباتات والبكتيريا والفيروسات على اختلاف أنواعها. وفي الواقع من الصعب إحصاء العدد الإجمالي لآلات البقاء على كوكب الأرض، لا بل إن عدد الفصائل نفسه غير معروف. فإذا ما أخذنا الحشرات وحدها فقط، وجدنا أن عدد الفصائل الحيّة منها يُقدّر بنحو ثلاثة ملايين فصيلة، في حين أن عدد الحشرات الفردية قد يقارب مليون مليون مليون حشرة.


فالهدف من كل هذا هو البقاء وتوريث جيناتك للاجيال القادمة وهذا السبب يظهر المنافسة والكره بين الكائنات الاخرى فيذكر داوكينز ايضا


بالنسبة إلى أي آلة بقاء، تشكل آلة البقاء الأخرى لا تكون وليدتها أو قريبتها) جزءاً من بيئتها، على غرار الصخرة أو النهر أو الطعام. هي شيء يعترض طريقها أو شيء يمكن استغلاله. ويكمن الفرق بينها وبين الصخرة أو النهر في جانب واحد مهم. فآلة البقاء الأخرى تنزع إلى الهجوم المضاد. ويُعزى سبب ذلك إلى أنها هي أيضاً آلة تحفظ جيناتها الخالدة في ما يشبه وديعة للمستقبل، ولا تعدم وسيلة للحفاظ عليها. وتحابي الانتقائية الطبيعية الجينات التي تتحكم بآلات بقائها على نحو يجعلها تستفيد إلى أقصى حد من بيئتها. وهذا يشمل ضمناً الإفادة قدر الإمكان من آلات البقاء الأخرى من الفصيلة نفسها ومن فصائل أخرى على السواء 


وحتى هذا التفسير كان قد تحدث فيه شوبنهاور حين قال ان ما يحركنا هي الرغبة وما اكده العلم فيما بعد اننا بالفعل تحركنا الرغبة ولكن الهدف منها هو الاستمرار في البقاء من خلال نقل جيناتنا الى الاجيال التالية وبهذا التفسير اصبح بالفعل لدينا رد واضح نوعاً ما على سؤال لماذا نحن هنا وما الهدف ولكن الهدف من الطبيعة يبدوا بلا معنى اعني اذا نظرنا للموضوع انت تورث جيناتك -> الى جيل اخر وهكذا وهذا الجيل سوف يموت ويرثه جيل وجيل الخ.. فالموضوع يبدوا لك كبشري ذو وعي متطور بلا معنى 


لذلك معنى الحياة انت من تخلقه بنفسك وهنا تتجلى الفلسفة الوجودية فالوجودية عزيزي اتبعت مبدأ هام جدا وهو ( الوجود سابق على الماهية ) انت كانسان تولد ثم تحدد كيف تعيش من خلال اختباراتك وافعالك فانت الانسان الاعلى الذي تحدث عنه نيتشه حين قتل الاله في كتابه العلم المرح وهذا هو الاساس انك تخلق ماهيتك وطريقك بنفسك وكيف تعيش فكما قال سارتر 


إن الجبان يجعل نفسه جباناً، والبطل يتصرف تصرف الأبطال ، لكن الجبان يستطيع أن ينبذ جبنه ، والبطل قد يتخلى عن بطولته


ونحن الان وصلنا لنهاية الرحلة ونستطيع القول اننا عرفنا من خلال التفسير العلمي السبب الوجود انك ولدت عن طريق صدفة ثم قذف بك الى هذا العالم لكي تورث جيناتك وتموت وتعود الي حيث اتيت وهذا يبدوا شيء بلا معنى مجرد جماد بلا روح ولكنك انت ياعزيزي من ينفخ الروح في هذا الجماد فانت من تختار انك تكون بطل او ان تكون جباناً 


المراجع 



[οὕτω καὶ ἀνθρώπου παρὰ πάντα ταῦτα θείη τις ἂν ἔργον τι; τί οὖν δὴ τοῦτ᾿ ἂν εἴη ποτέ; τὸ μὲν γὰρ ζῆν κοινὸν εἶναι φαίνεται καὶ τοῖς φυτοῖς, ζητεῖται δὲ τὸ ἴδιον· ἀφοριστέον ἄρα τὴν θρεπτικὴν καὶ αὐξητικὴν ζωήν. ἑπομένη δὲ αἰσθητική τις ἂν εἴη· φαίνεται δὲ καὶ αὕτη κοινὴ καὶ ἵππῳ καὶ βοῒ καὶ παντὶ ζῴῳ. λείπεται δὴ πρακτική τις τοῦ λόγον ἔχοντος] EN 9.9.1170a13–19 , EN 6.2.1139a17–20 كتاب الاخلاق لارسطو


نشأة الإنسان والانتقاء الجنسي  (المجلد الأول)  تأليف: تشارليز داروين  ترجمة وتقديم: مجدى محمود المليجي


دراسة الأنثروبولوجيا  تأليف  بيرتي ج. بيلتو  - ترجمة  كاظم سعد الدين


فجر الضمير  جيمس هنري بريستيد  ترجمة: د.  سليم حسن


أديان العالم  دراسة روحية تحليلية معمقة لأديان العالم الكبرى توضح فلسفة تعاليمها وجواهر حكمتها  الهندوسية - البوذية - الكونفوشية - الطاوية اليهودية - المسيحية - الإسلام - الأديان البدائية  تأليف  د. هوستن سميث تعريب وتقديم وحواشي سعد رستم


قصة الحضارة - ويل ديورانت  الشرق الأدنى  ترجمة محمد بدران  - الجزء الثاني من المجلد الأول


الموت في الفكر الغربي  تأليف: جاك شورون - ترجمة كامل يوسف حسين


من ألواح سومر  تأليف صمويل كريمر


الديانة المصرية القديمة  تأليف : ياروسلاف تشرني  ترجمة : د. أحمد قدرى


تاريخ الفلسفة  المجلد الأول  ( اليونان وروما )  تأليف : فردريك كوبلستون  ترجمة : إمام عبد الفتاح إمام


الفلسفة اليونانية -  عبد الجليل كاظم


الكلمة واللوغوس في الفكر الفلسفي والديني - ياسين حسين الويسي


تاريخ الفلسفة الغربية - ج٢ - برتراند رسل  ترجمة عبد الكريم ناصيف


الفكر الألماني من لوثر إلى نيتشه - جان إدوار سبنله - ترجمة  مراجعة  تيسير شيخ الأرض


ما هو العلم؟ رحلة التفكير العلمي - أ. د. نزار دندش


الجينة الأنانية -ريتشارد داوكينز - ترجمة تانيا ناجيا


العالم إرادة وتمثلاً  ( المجلد الأول)  تأليف: ارثر شوبنهاور  ترجمة وتقديم وشرح: سعيد توفيق


الوجودية مذهب إنساني - چان پول سارتر

كيف تعيش كحكيم رواقي

 



في ظل هذه المعاناة التي نعيشها يوميا في هذا العالم الكئيب نحتاج احياناً الي نظام يعالج الفوضى الداخلية حتى نستطيع الصمود امام عبثية هذه الحياة وهنا يأتي دور الفلسفة الرواقية ومن لا يعلم ماهي الرواقية سوف اعطيه تعريف سريع لها قبل الاستمرار في الكتابة 


زينون مؤسس المدرسة الرواقية وُلد حوالي ٣٣٦/٣٣٥ ق.م في كتيوم بقبرص وتوفي حوالي ٢٦٣/٢٦٤ ق.م في أثينا. جاء إلى أثينا حوالي ٣١٥–٣١٣ ق.م، واطلع على مذكرات زينوفان ومحاورة «الدفاع الأفلاطوني»، وأعجب بسقراط، فتتلمذ أولاً على أقريطيس الكلبي ثم على استلبون، كما استمع إلى زينوقراط وبوليمون بعد وفاته، وأسّس مدرسته حوالي ٣٠٠ ق.م في الرواق الذي كان يلقي فيه دروسه، وترك شذرات قليلة من مؤلفاته. في الرواقية القديمة ركّز الرواقيون على المنطق (الجدل والخطابة) ورفضوا النظريات الأفلاطونية والأرسطية عن الكلي، مؤكدين على معرفة الجزئيات. في القرنين الثاني والثالث ق.م، ظهر الميل الانتقائي عند فلاسفة الرواق، حيث دمجوا عناصر أفلاطونية وأرسطية تجاوباً مع الانتقادات الأكاديمية واحتكاكهم بالعالم الروماني العملي. أما الرواقية المتأخرة في الإمبراطورية الرومانية المبكرة، فتميزت بالتمسك بالمبادئ الأخلاقية العملية، مع صبغة دينية ونظرة تشبه الإنسان بالله، كما أبرزت واجب الإنسان تجاه الآخرين، وتجلى ذلك في تعاليم سينكا وأبكتيتوس وماركوس أوريليوس، مع استمرار الميل الانتقائي واهتمام محدود بالعلوم المعاصرة، كما يظهر من كتابات سينكا وأربع كتب من محاضرات أبكتيتوس وتأملات ماركوس أوريليوس ( موسوعة تاريخ الفلسفة - ج 1 - فردريك كوبلستون - ص 515 , 516 , 517 , 559 , 567 )


وبعد ان تعرفنا باختصار على الرواقية نذهب لاساس هذه التعاليم وهو انه تنقسيم الاشياء في هذه الحياة الى اشياء في قدراتك واشياء خارج قدراتك وتتعامل الرواقية من هذا المنطلق فيذكر لنا الفيلسوف الرواقي ابكتيتوس : 


من الأشياء ما هو في قُدْرَتِنا وطوقنا، ومنها ما ليس في قدرتنا وليس لنا بِهِ يَد فَمَا يتَعَلَّقُ بِقُدرتِنا: أفكارنا ونَوازِعُنا ورغبتنا ونُفُورُنا، وبالجملة كل ما هو من عَمَلِنَا وصَنِيعنا. وبما لا يتعلَّق بقدرتنا أبدًا وأملاكنا وسمعتنا ومناصبنا، وبالجملة كل ما ليس من عَمَلِنَا وصَنِيعنا ( المختصر ، الكتاب الاول ، الفقرة ١ )


فالرواقية تعلم انه ماهو خارج ايدينا مثل الثروة او الشهرة او المناصب او او غيرها من الامور المادية ليس شئ نستطيع التحكم فيه ولكن الشئ الوحيد الذي نستطيع التحكم فيه هو انفسنا وهذا ما ركزت عليه الرواقية ان تهذب نفسك داخلياً حتى تصبح قادراً دائما على مواجهة المجهول فنحن الذين نعطي لهذا المجهول الهوية ونقوم بتفصيل هذه الوهية من خلال شعورنا نحوها 


إذا كان بك كرب من شيء خارجي فإن ما يكربك ليس الشيء نفسه بل رأيك عن الشيء، وبوسعك أن تمحو هذا الرأي الآن" (٨-٤٧)، فالأشياء ذاتها خاملة، وإنما نحن الذين ننتج الأحكام عنها ونطبعها في عقولنا. وإن بوسعنا ألا نطبعها على الإطلاق، وأن نمحو في الحال أي حكم تصادف انطباعه " (١١-١٦) ( التأملات للامبراطور الروماني ماركوس أوريليوس )

 

 فالموت هو في نظرنا كبشر هو شر ولكنه في نظر انسان يتالم من المرض هو طوق النجاة فالموضوع هو نسبي ونحن نعطيه التعريف من خلال تجربتنا له 

مدخل الى اللاهوت الدفاعي ( المقدمة )

 






تحميل برنامج E - Sword : https://t.me/epshoi12/305


رابط من الموقع الرسمي : https://www.e-sword.net (https://www.e-sword.net/)


رابط تحميل تطبيق Bible Hub : https://biblehub.com/app.htm


مكتبة الكتب المسيحية : https://www.christianlib.com (https://www.christianlib.com/)


موقع فريق اللاهوت الدفاعي : https://www.difa3iat.com (https://www.difa3iat.com/)



التجسد وعلاقته بالتطور – القس ج. ر. إلينجورث

 




في دراسة قدمها اللاهوتي والفيلسوف الانجليزي J. R. Illingworth بخصوص ان التجسد هو اسمى مرحلة للخلقة الانسانية وفيها يوضح كيف ان التطور هو مرحلة طبيعية لظهور الكائنات الحية وارتقائها يقول الاتي


شهدت السنوات القليلة الماضية قبولًا تدريجيًا من قبل المفكرين المسيحيين للتعميم العلمي العظيم في عصرنا، والذي يُوصف باختصار، وإن كان بشكل غير دقيق، بأنه نظرية التطور. لقد أعادت التاريخ نفسه، واتضح عند التحقيق أن معارضة أخرى بين العلم واللاهوت لم تكن في الواقع معارضة على الإطلاق. فمثل هذه التناقضات والمصالحات أقدم من المسيحية ذاتها، وهي جزء مما يُطلق عليه غالبًا الحركة الجدلية—أي تلك الحركة التي تقوم على السؤال والجواب، والتي ينشأ عنها كل تقدم.


ولكن نتيجة هذه العملية ليست مجرد تكرار لقصة رُويت مرتين، بل هي تقدم في تفكيرنا اللاهوتي؛ زيادة محددة في الفهم؛ وتقدير جديد وأكثر عمقًا لطرق الله المتعددة في تحقيق ذاته. فالاكتشافات العلمية العظيمة، مثل علم الفلك المتمركز حول الشمس، ليست مجرد حقائق جديدة يجب استيعابها، بل إنها تتطلب طرقًا جديدة للنظر إلى الأمور.


وكان هذا هو الحال بشكل خاص مع قانون التطور؛ إذ إنه، بمجرد ملاحظته، امتد بسرعة إلى كل مجال من مجالات الفكر والتاريخ، وأدى إلى تغيير موقفنا تجاه كل أنواع المعرفة. فقد أصبح يُنظر إلى الكائنات الحية، والأمم، واللغات، والمؤسسات، والعادات، والعقائد من منظور تطورها، وأصبحنا نشعر أنه لفهم شيء ما حقًا، يجب علينا دراسة كيفية نشأته.


إن التطور يحيط بنا، وهو السمة المميزة لعصرنا؛ إنه ثمرة الزمن، ونتيجة ضرورية لاتساع نطاق مقارناتنا. ولم يعد بإمكاننا أن نعزل أنفسنا عنه أو نحدّ من نطاق عمله. لذلك، فإن آرائنا الدينية، مثلها مثل أي شيء آخر نشأ عبر تيار التطور، يجب أن تبرر وجودها بالعودة إلى الماضي.


هناك هجمات كثيرة ضد العقيدة المسيحية تستند إلى أساليب غير كافية من قبل مفسريها المزعومين. فحين يتم اقتطاع أجزاء من العقيدة من سياقها، وتجريدها من نسبها الصحيحة، تُعرض على الناس على أنها جوهر الإيمان المسيحي بأكمله، وذلك على يد مدافعين مخلصين لكنهم جهلة. والنتيجة المؤسفة هي أن حتى الباحثين المخلصين عن الحقيقة—فضلًا عن المعارضين السطحيين والمتحاملين—يقعون في وهم أن المسيحية قد تم دحضها، بينما في الواقع لم يكونوا ينقدون سوى صورة مشوهة منها.


مثل هؤلاء يحتاجون إلى التذكير بأن المسيحية أكبر من مفسريها أو محرفيها في أي عصر؛ وأنها، عبر تاريخها الطويل، قدمت إجابات لكثير من الاعتراضات التي يظنون، بسبب جهلهم، أنها جديدة؛ وأنه، بفضل ثقتها برسالتها العالميةوذاكرتها المليئة بانتصاراتها العديدة، لا تزال المسيحية قادرة على التعاطف، والكفاية، والتكيف مع مشكلات وتعقيدات كل عصر متعاقب.


تم استنتاج لاهوت التجسد تدريجيًا، من تعاليم القديس بولس والقديس يوحنا. فقد تم التأكيد على هوية الشخص الذي تجسد وأصبح إنسانًا وسكن بيننا، مع الذي به صنع كل شيء وبه يقوم كل شيء؛ ووجوده الأبدي قبل التجسدكعقل وكلمة الله، اللوجوس؛ وحضوره المتوحد في الكون كمصدر وشرط لكل حياته، وفي الإنسان كنور لوجوده العقلي؛ وقيامته وصعوده—جميع هذه الأفكار تم نسجها معًا في صورة رائعة، حيث تم رؤية الخلق كتمثيل للأفكار الإلهية


وبالتالي إعلان لطبيعة الله؛ كاشفة عن خالقها بشكل متزايد الوضوح مع كل مرحلة تالية في مقياس الوجود العظيم، حتى جاء في ملء الزمان ليصبح إنسانًا، وبذلك رفع الطبيعة البشرية، ومعها الكون المادي الذي هو مرتبط به ارتباطًا وثيقًا؛ ومتفوقًا على الخطيئة والموت اللذين كانا يئن منهما الخلق، ففتح بقيامته، ثم بصعوده، آفاق المصير المجيد الذي كان قد أعده لمخلوقاته قبل أن يُخلق العالم. " فصار ما نحن عليه، لكي يُكملنا ويجعلنا ما هو عليه".


حكمة الله، عندما خرجت لأول مرة في الخلق، لم تأتِ إلينا عارية، بل ملبوسة في ثياب المخلوقات. ثم، عندما أراد نفس الحكمة أن تُظهر نفسها لنا كابن الله، تأخذ ثوبًا من اللحم، وهكذا رآه الناس. "التجسد هو رفع للطبيعة البشرية وتمام للكون مثل هذه الاقتباسات يمكن أن تُضاعف بلا نهاية من صفحات الفلاسفة المدرسيين واللاهوتيين ويبدو أن خط التفكير الذي تشير إليه هذه الاقتباسات يقودنا بشكل طبيعي إلى رؤية التجسد كذروة مسبقة للخلق، بغض النظر عن الخطيئة البشرية 


كل هذا يتماشى تمامًا مع معتقدنا المسيحي، الذي يُعلم أن كل شيء قد خُلق بواسطة العقل الأبدي؛ ولكن أكثر من ذلك، فإنه يُظهر ويُظهر المزيد من العقيدة المتعلقة بحضوره المتجسد في أشياء خليقته؛ مما يجعل كل منها كشافة ونبوءةفي الوقت ذاته، شيئًا من الجمال والإتقان الكامل، يستحق الوجود لذاته، ومع ذلك خطوة نحو غايات أعلى، وأداة لعمل أعظم.


لقد قدمت العلوم لنا خدمة عظيمة في إعادة هذه العقيدة إلى الأذهان. فهي لا تحمل فقط أهمية لاهوتية، بل دينية أيضًا، إذ تشكل العنصر الحقيقي في ذلك البانثيؤية العليا التي أصبحت شائعة في أيامنا هذه عند التأمل في جمال أو عجائبالعالم. ورغم أنه غامض وغير محدد، إلا أن هذا الشعور ما يزال من أقوى المشاعر التي يمكن أن تتحملها طبيعتنا، ويجب التعرف عليه كعنصر أساسي في جميع الأديان الحقيقية بها.


 لذا، لا يمكننا المبالغة في تقدير أهمية إعادة عقيدة حضور الله في الطبيعة إلى مكانها الصحيح في اللاهوت، إذ أن هذه المشاعر هي الشهادة الغريزية لها. آباء الكنيسة، وعلماء اللاهوت، والصوفيون، الذين كانوا على دراية تامة بأي خطر من البانثيؤية مثلنا، ما زالوا يدهشوننا بجرأتهم في هذا الموضوع؛ ولا ينبغي لنا أن نخشى تجاوز حدود التقليد المسيحي عندما نقول إن الحضور الفيزيائي لكلمة الله في خليقته لا يمكن أن يُبالغ فيه، طالما أن تسامي الله الخلقي في نفس الوقت يتم التأكيد عليه.


هناك حقائق على الجانب الآخر؛ مثل قدَم الإنسان الذي لا شك فيه؛ والنمو التدريجي الذي يمكن تتبعه علميًا في أفكارنا ولغتنا وأخلاقنا، وبالتالي، إلى الحد الذي تؤثر فيه الوظائف على قواها، حتى في ضميرنا وعقلنا أيضًا؛ ثم الاحتمالية الكبيرةالناتجة عن الأدلة المتزايدة على جميع أنواع التطور الأخرى أن الإنسان لن يكون استثناء من القانون الكوني


تعمل. وهكذا، عندما نرى العقول والإرادات البشرية تنسج ستارًا فوق الكون، من الفكر والمحبة والقداسة، ويقال لنا إن كل هذه الأشياء ليست سوى أنماط أعلى من الطبيعة المادية، فإننا نشعر فقط أن السر الداخلي للطبيعة المادية يجب أن يكون أكثر روعة مما كنا نظن. لكن رغم أن دهشتنا قد تزداد، فإن صعوباتنا لن تتزايد. إذا كنا نؤمن، كما رأينا أن اللاهوت المسيحي قد آمن دائمًا، بوجود خالق إلهي ليس فقط حاضرًا خلف بداية المادة، بل أيضًا موجودًا في كل مرحلة منها، ومتعاونًا مع كل ظاهرة منها، فإن طريقة عمله، على الرغم من كونها مثيرة للتفكير، لن تكون لها أهمية جدلية. كان هناك وقت كانت فيه الأنواع المختلفة من الأشياء المخلوقة تُعتبر مفصولة بحواجز لا يمكن عبورها


ورغم أن مهمتها الأولى هي البحث عن النفوس وإنقاذها واحدة تلو الأخرى، فإنها تُقدس في مرورها كل مجال من الفكر والعمل، حيث يمكن أن تجد الطاقة المنبعثة من النفوس مجالًا لها. إنها ترحب باكتشافات العلم، باعتبارها في النهاية جزءًا من الوحي الإلهي، ومن التعليم الإلهي الموجه للعالم. إنها تذكر الفن بالأيام التي، في الكهوف والأديرة، تعلمت مهمتها الأسمى أن تكون خدمة للكلمة المتجسدة


ومهما كان من المعاني الجديدة التي قد يتم العثور عليها في التجسد، ومهما تلاشت بعض المفاهيم الخاطئة عنه أمام الضوء الكامل؛ فإنه لا يمكننا تصور أي مرحلة من التقدم ليس للتجسد فيها النجمة الهادية، ولا أي عصر لا يمكنه أن يجعل صلاة القرن الخامس صلاته الخاصة :


"يا إله القوة غير المتغيرة والنور الأبدي، انظر بعين الرحمة إلى كنيستك كلها، تلك المعجزة المقدسة والعجيبة؛ وبتدبيرك الأبدي الساكن، أكمل عمل خلاص الإنسان؛ ولتشعر وتُرى العالم بأسره أن الأمور التي كانت ساقطة تُرفع، وأن الأشياء التي تقدمت في السن تُجدد، وكل الأشياء تعود إلى الكمال من خلاله، الذي أُخذت منه، حتى من خلال ربنا يسوع المسيح."



المصدر : 


Lux Mundi A Series of Studies in the Religion of the Incarnation Edited by Charles Gore - LONDON JOHN MURRAY, ALBEMARLE STREET 1891 -  THE INCARNATION AND DEVELOPMENT 

ملخص كتاب تاريخ القرآن للمستشرق الالماني ثيودور نولدكه ( الجزء الثاني - تدوين القران )


 


رغم الأهمية التي يعطيها محمّد للتدوين، لا يمكننا أن نتوقّع مقدارًا كبيرّا من الكمال أو أمانة حرفية، أقلّه في مكّة، حيث كان صراعه لكسب اعتراف الناس به مرسلاً من الله صراع حياة أو موت. بسبب الظروف الخارجية الضاغطة، بقي التدوين، حتى ولو كان في نية محمّد منذ البداية، مجرّد مشروعٍ لأكثر من مرّة. ولكن، في وقت مبكّر كان كلّ شيء يحفظ في الذاكرة التي كانت تخون النبيّ في بعض الأحيان. لهذا تراه، في سورة البقرة : ٢. ١٠٠/١٠٦ يعزّي المؤمنين، بقوله إنّ الله سوف يمنحهم بدل كلّ آيةٍ ذهبت ضحّية النسيان آيةً أفضل



عدا التدوين الذي كان محمّد نفسه وراءه، ربما كانت هناك أيضًا عمليات تدوين أخرى تتفاوت في حجمها، قام بها مناصرون غيورون لتعليمه بأنفسهم أو أوكلوا بها أخرين. إلى جانب هذا، كان هناك الحفظ في الذاكرة، الذي كان، في وقت كانت القراءة والكتابة من الفنون النادرة، ذا أهمّية كبيرة. إضافة إلى العدد غير القليل من الصحابة الذين حفظوا غيبًا مقاطع قصيرة، بقدر ما كان هذا ضروريًّا لتلاوة الصلوات، كان هناك أفراد استطاعوا أن يشحنوا ذاكرتهم بمقاطع أطول ويتلوها بأمانة الكتاب، وبهذا استطاعوا أن يحفظوا جزءًا من الوحي، لم يدوّن نصّه أبدًا أو ضاع في ظروف معيّنة، من الفقدان التام.



 إحدى الروايات التي تعود إلى زيد بن ثابت تدّعي أنَّ القرآن، في تلك الفترة، لم يكن قد جمع أبدًا، فإن وراء هذا القول تصوّر آخر يقوم على الأخبار التي تتحدّث عن سخةٍ أنجزها أبو بكر  حسب هذه الأخبار كان الخليفة قد وجد نصوص الوحي مبعثرة ومتفرّقة أو، كما يضيف السيوطي، غير مجموعة في مكان، أو مرتّبة في سور. لا تتفق هذه النظرة تمامًا مع ما توصّلنا إليه من نتائج في الفصول السابقة، حيث قلنا إنّه لم يكن هناك سور فحسب، كانت منذ البداية تشكّل وحدات أدبية، بل أيضًا سورٌ كان محمّد نفسه قد وضعها في أوقات لاحقة انطلاقًا من مقاطع من أصول مختلفة.



لا يمكن للمرء أن يتصوّر إلى أيّ درجة كانت معرفة القرآن يسيرة عند مسلم عاديّ من بدايات الإسلام. فبعد معركة القادسيّة أمر عمر قائد الجيوش سعد بن أبي وقّاص أن يوزّع البقايا الكبيرة من الغنائم على «حملة القرآن». فلما أتى إليه عمر بن معد يكرب، رجل الحرب المشهور، وسئل عن معرفته بالوحي، اعتذر قائلاً إنّه اهتدى إلى الإسلام في اليمن، وكان دائمًا بعد ذلك في الحرب، ولم يكن لديه الوقت الكافي، ليحفظ القرآن غيبًا. أمّا بشر بن ربيعة الذي من الطائف، فأجاب، حين بادره سعد بالسؤال نفسه، بالجملة الافتتاحية، «بسم الله الرحمن الرحيم» .

وحين توجّه إلى الأنصار في معركة اليمامة قائدهم مشرّفًا إياهم بدعوتهم ((أهل سورة البقرة»، أسف أحد المحاربين من طيء لأنّه لا يعرف من هذه السورة ولا آية واحدة غيبًا .



عند المسلمين، كما رأينا، ثلاثة آراء مختلفة، حول نشوء المجموعة القرآنية الأولى . بحسب الرأي الأوّل - وهو التقليد السائد - تمّ هذا الجمع في أيام أبي بكر، وبحسب الثاني في أيام عمر، أمّا بحسب الرأي الثالث فقد بدأ العمل في أيام أبي بكر وانتهى في أيّام خلفه.



إنّ ربط جمع القرآن بمعركة اليمامة ربطٌ ضعيفٌ جدًّا . يشير كتاني .ا) إلى أنّنا نجد في لوائح المسلمين الذين سقطوا في عقربا ممن تنسب إليهم معرفة واسعة بالقرآن، وذلك لأنّهم كلّهم تقريبًا ينتمون إلى صفوف المهتدين حديثًا. ولهذا السبب، ليس صحيحًا أنّ كثيرين من حفظة القرآن سقطوا في هذه المعركة وأنّ أبا بكر كان قلقًا من هذا، كما تدّعي بعض الروايات. ليس من اعتراض على هذا، طبعًا، إذا افترضنا، أن اللائحة التي وضعها كتاني،  والتي تضم ١٥١ شخصًا ممن فقدوا في المعركة، كاملة، وأنّ معرفتنا بحفظة القرآن في ذلك الوقت معرفة كاملة إلى حدّ ما .



لا يساعدنا مضمون الرواية على معرفة ما إذا كان في هذا الخليط من التناقضات والأخطاء شيء من الحقيقة التاريخية. لهذا علينا أن نحاول إيجاد نقاط ارتكاز في شكل الرواية لكي نصل، بتحليل أدبيّ، إلى النواة الأقدم. يدعم العدد الكبير من الروايات أن يكون جمع القرآن مسألة تتعلّق بالدولة.



إنّ الصورة التي نملكها عن وضع تدوينات القرآن بعد موت محمّد شديدة الغموض. إضافة إلى كون هذه التدوينات مبعثرة وغير منظّمة، فقد كانت محفوظةً على أكثر من عشرة أنواع من المواد على الأقلّ. ثمّة ما يثير الريبة في أنّ في الرواية مبالغة كبيرة، إمّا لإبراز جدارة الجامع، أو للتأكيد، بقوّة، على بساطة الزمن القديم .



من السنوات العشرين التي تفصل ما بين موت محمّد ونسخة عثمان، وصلت إلينا، بالإضافة إلى (صحف) حفصة أربع مجموعات شهيرة يقف وراءها الأشخاص الذين تحمل أسماءهم. وربما وجدت نسخ أخرى لم تكن لها هذه الأهميّة، لذلك لم يبق لها أثر في الروايات. تذكر الوثائق أسماء أشخاص أربعة عملوا على المجموعات القرآنية، وهم أبيّ بن كعب، وعبدالله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري، والمقداد بن الأسود.



فيما يتعلّق بانتشار النسخ التي تعود إلى هؤلاء الرجال، فقد استعمل الدمشقيون، أو بالأحرى السوريون، قراءة أُبيّ، والكوفيون قراءة ابن مسعود، وأهل البصرة قراءة أبي موسى، وسكان حمص قراءة المقداد.

 ولا عجب أن نكون نسختا ابن مسعود وأبي موسى قد لاقتا رواجًا في الكوفة والبصرة، وذلك لما لهذين الرجلين من مكانة مرموقة في تلك المدينتين. من جهة أخرى، لا نعرف شيئًا عن علاقة ظاهرة للمقداد بحمص ولأبي بسوريا



من نسخ هؤلاء الرجال لم تصلنا ولا واحدة. لذا، ليس بمقدورنا الإجابة على الأسئلة حول شكلها وترتيب النصّ إلاّ برجوعنا إلى مصادر غير مباشرة. أمّا نسخة المقداد، فلا أثر لها حتى في هذه المصادر. عن أبي موسى لا نعرف إلا ما ورد عنه في «الإتقان)) ١٥٤ ، وهو أنّه ضمّ إلى قرآنه سورًا من أُبيّ، والروايات التي نتحدّث على آيتين لم تردا إلاّ في نسخته



ثمّة أمر ذو أهمّية كبيرة، وهو أنّ مجموعة أبي تحوي سورتين لا نجدهما في النسخة الرسمية. وترد هاتان السورتان تارةً باسميهما الخاصّين، سورة الخلع، وسورة الحفد، وطورًا باسم الاختصار، سورتا القنوت، أو حتى سورة القنوت. أمّا تسميتهما (دعاء القنوت)، أو «دعاء الفجر»



بما أنّ هذه النصوص صلوات شكلاً ومضمونًا، لا يمكن نسبتها إلى الوحي إلا إذا كانت مسبوقة بالأمر (قل»، الذي يستعين به القرآن ليضفي الشريعة على الصلوات - مثل سورة الفلق ١١٣ والناس ١١٤ - وكلام محمّد الذاتي بكونها كلام الله. غير أنّ لفظ ((قل)) يغيب في بداية هاتين السورتين. لكن هذا بالضبط هو احد الاسباب التي تدعونا إلى الشك في أن تكون الفاتحة جزءًا من الوحي.



أمّا المعلومات المتعلّقة بثلاث آيات مفقودة، كانت في قرآن أُبيّ، فمؤكّدة.


تقول الآية الأولى: (لو أنّ لابن آدم واديًا من مال لا بتغى إليه ثانيًا ، ولو أنَّ له ثانيًا لا بتغى إليه ثالثًا، ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلا التراب، ويتوبُ الله على من تاب)). وردت هذه الآية، كما يظنّ، في سورة يونس ٢٥/٢٤ : ١٠، أو في مكانٍ ما في سورة البينة ١٦٠) ،٩٨) وهو أمر مستحيل نظرًا لاختلاف الفاصلة. كما يصعب إيجاد موضع آخر لها، وذلك لأنّ العبارة المستعملة هنا للإشارة إلى الإنسان، «ابن آدم»، غير قرآنية.


وتقول الآية الثانية: (إنَّ الدينَ عند الله الحنيفيةُ السمحةُ لا اليهوديةُ ولا النصرانيةُ، ومن يفعل خيرًا فلن يكفرَه)). يعتقد أنّ هذه الآية تنتمي إلى سورة البيِّنة ٩٨، وهو أمر غير ممكن لاختلاف المضمون والفاصلة. وهي، على الأرجح، غير أصيلة، فالأسماء المستعملة للإشارة إلى الديانات الثلاث المختلفة غريبة عن القرآن


وتقول الآية الثالثة: ((لا ترغَبوا عن آبائكم، فإنَّه كفر بكم. الشيخُ والشيخةُ إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله، واللهُ عزيزٌ حكيم)). لا يمكن أن تكون هذه الآية المسمّاة (آية الرجم» جزءًا من سورة الأحزاب ٣٣ - وذلك لاختلاف الفاصلة - أو من القرآن بشكل عام، لأنّ هذه القوانين الجزائية الرهيبة، كما بيّنت آنفًا، لم تظهر إلا بعد موت محمّد



وفي المناسبة عينها تلا أبو موسى، كما يروى، آية أخرى، كانت تنتمي إلى سورة تشبه السور المدعوة «المسبحات)). لا تساعدنا الرواية على أن نعرف ما إذا كانت هذه السورة قد ضاعت، أو أنّ أبا موسى كان يتلو من سورة معروفة في نسخنا، ولكنّ اسمها غاب عن ذاكرته. تقول الآية: ((يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، فتُكتَب شهادة في أعناقكم فتُسألون عنها يوم القيامة)) يتطابق الجزء الأوّل من هذه الآية مع سورة الصف ٢ :٦١. أمّا الجزء الثاني فيستحيل أن يكون ورد في سورة الصف ٦١ أو في أيّ من السور المسبِّحات الأخرى، بسبب اختلاف الفاصلة.



ليس من المستبعد، لا بل يرجَّح، أن يكون هناك، بالإضافة إلى المجموعات القرآنية الشهيرة التي تحدّثنا عنها، نسخ أخرى، لم تحظ بشهرة كبيرة، ولذا لم تترك أثرًا في المصادر. أمّا أن يقال مثلاً إنّ بعض رفاق النبيّ، كعليّ، قد رتّبوا السور زمنيًّا، فرواية لا تستحقّ التصديق.ذلك لأنّ هذا الترتيب يفترض فترة عمل

تفسيريّ علميّ طويلة، هذا إذا لم يكن القيام بهذا الترتيب مستحيلاً لأنّ محمّد نفسه، في التدوين الذي أمر به، كان يربط الآيات الحديثة بالقديمة

بحث هذه المدونة الإلكترونية