ملخص كتاب تاريخ القرآن للمستشرق الالماني ثيودور نولدكه ( الجزء الاول - مصادر نبوة محمد )

 


إن المصدر الرئيس للوحي الذي نُزّل على النبي حرفيًّا، بحسب إيمان المسلمين البسيط وبحسب اعتقاد القرون الوسطى وبعض المعاصرين، هو بدون شك ما تحمله الكتابات اليهودية. وتعاليم محمد في جلّها تنطوي في أقدم السور على ما يشير بلا لبس إلى مصدرها. لهذا، لا لزوم للتحليل لنكتشف أن أكثر قصص الأنبياء في القرآن، لا بل الكثير من التعاليم والفروض، هي ذات أصل يهودي .


لا نحتاج في هذا الصدد إلى رد كل المواد اليهودية إلى ثقات يهود. وقد تواجد اليهود في أماكن عدة من شبه الجزيرة العربية وكانوا يقيمون في مناطق يثرب التي كانت على صلة وثيقة بموطن محمد، وكانوا يترددون إلى مكة كثيرًا . مسيحية الفِرَق الشرقية نفسها كانت ذات طابع يهودي بارز. ولم يكن العهد الجديد يحوز في الكنيسة القديمة الاهمية نفسها التي كانت للعهد القديم في ما يختص بالتعليم والبنيان الروحي. كانت المسيحية على انتشار واسع في شبه الجزيرة العربية


بين القبائل المتواجدة على الحدود الفارسية - البيزنطية (كلب وطيء وتنوخ وتغلب وبكر)، وفي الداخل في تميم، وفي اليمن التي كانت منذ زمن طويل تحت سيطرة الحبشة المسيحية. وحيث لم تكن المسيحية متأصلة، وجد على الأقل المام بها .حتى أن بعض مشاهير شعراء القرن الذي سبق ظهور الإسلام يشي تفكيرهم وتقييمهم للأمور بانهم كانوا يلمون بالمسيحية، رغم أنهم حافظوا على وثنيتهم.

ينبغي علينا، إذًا، ان نأخذ بعين الاعتبار التأثير المسيحي على النبي إلى جانب التأثير اليهودي.


لا مجال للشك في إن أهم مصدر استقى منه محمد معارفه لم يكن الكتاب المقدس، بل الكتابات العقائدية والليتورجية. هكذا تشبه قصص العهد القديم الموجودة في القرآن صيغها المنمقة في الهاجادا، أكثر مما تشبه أشكالها الأولى . أما القصص المستقاة من العهد الجديد فهي أسطورية الطابع وتشبه في عض معالمها ما يُسرد في الأناجيل المنحولة، قارن على سبيل المثال سورة آل عمران ٤٨ ، ٤١/٤٦ :٣و/٤٣ ؛ سورة مريم ١٧ : ١٩ ، بإنجيل الطفولة، الفصل الاول؛ إنجيل توما، الفصل الثاني؛ ميلاد مريم، الفصل التاسع. ونجد الجملة الوحيدة القصيرة جدًّا التي اقتُبست حرفيا من العهد القديم في سورة الانبياء ٢١ : ١٠٥ : {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون)، قارن المزمور ٢٩ ،٣٧ . 



(( أما سورة الصف ٦ :٦١ التي يعِدُ فيها عيسى بأن الله سيرسل من بعده رسولاً اسمه أحمد، فلا أثر لها في العهد الجديد.))


لا نستبعد ان تكون تلك الترجمات الشفوية قد ابتدئ بتدوينها قبل الإسلام. وبما أن فن الكتابة كان معروفا لدى المكيين والمدنيين في زمن محمد (قارن أدناه صفحة ١٥) وكانت كتابة المراسلات المهمة (مثلاً كتب محمد إلى الاعراب) والعقود (كصلح الحديبية وعهد المدينة) معروفة أيضًا في ذلك الحين، فإنه ليس من المستبعد أن تكون العربية قد استعملت أيضًا لتدوين نتاج الشعراء والمغنين والقصاصين. الأدب ينبثق عن كتابة المناسبات. ولا بد من أن نكون الصحف التي كانت تحمل قصائد المدح والهجاء قد شهدت انتشارًا واسعًا (قارن إ. غولدتسيهر، مدخل إلى الحطيئة، في مجلة ٤٦ ZDMG، ص ١٨؛ الأغاني، ٢٠؛ ٢٤؛ ٢؛ ١٦ ؛ ديوان الهذليين ٦ ،٣؛ ديوان المتلمس ٢ ،٢؛ ديوان لبيد ١ ،٤٧ ؛ ديوان أوس بن حجر ٩ ،٢٣، الخ).


يتبين ان الحجج التي تؤيد القول إن محمدًا كان يستطيع القراءة والكتابة حجج واهية جدًا. فكيف بالحجج التي يسوقها من يود إثبات العكس؟ الحجة الأساسية هنا هي أن محمدًا يدعى في سورة الاعراف ١٥٧ :٧/ ١٥٨ ،١٥٦ النبي الأمّي، ما يشرحه كل المفسرين تقريبًا بأنه يعني ((النبي الذي بجهل القراءة والكتابة)). لكننا إذا تفحصنا كل الآيات القرآنية التي ترد فيها كلمة

«أمي» بدقة، وجدنا أنها تعني في كل الحالات نقيض «أهل الكتاب»، وهذا يفيد أن المراد بالكلمة ليس عكس القادرين على الكتابة، بل عكس من يعرفون الكتاب المقدس. في سورة البقرة ٧٣/٧٨ : ٢ يرد أنه ثمة حتى بين اليهود أمّيّون)، لا يفهمون من الكتاب إلا القليل. الكلمة، اذًا، تصف في حال محمد الوضع الذي كان يُشدّد عليه دائمًا، وهو أنه لم يكن يعرف الكتب المقدسة القديمة، بل عرف الحقيقة بواسطة الوحي فقط. الكلمة لا تعني من يجهل القراءة والكتابة


فلا يستبعد أن يحوز رجل، وجد في محيطه القريب عشرات من الرجال الذين استطاعوا القراءة والكتابة - أعرف فقط من ابن سعد (محقَّق) ٢ ،٣، فلهاوزن، (٤ (Wellhausen, Skizzen ، ص ١٠٥وو، والبلاذري، ص ٤٧١وو، أن عددهم كان ٢٦) ، ٤٤) ليس فقط بوصفه تاجرًا، ما يحتاجه من هذه الصنعة، ليس فقط من أجل تسجيل البضائع والاسعار والاسماء، بل أيضًا بسبب اهتمامه بكتب اليهود والمسيحيين المقدسة التي سعى إلى أن يتعمق بها معرفة.


حتى لو كانت الروايات التي تجمع لحمدًا براهب سرياني اسمه بحيرة أو نسطوريوس تحتوي نواة من الحقيقة، فلا يمكن للقاء كهذا أن يكون ذا أثر بالغ في نبوته. فحتى لو كان محمد سافر إلى سوريا مرارًا - والمئات من بني قومه قاموا بهذه الرحلة سنويًّا - لم يكن من الضروري لوثني من مكة أن يذهب إلى سوريا أو الحبشة ليتعرّف على ديانات الوحي، ولا أن يأتي مسيحي سوري أو حبشي إلى مكة ليتم ذلك. ففي مكان غير بعيد منها تواجد ما يكفي لهذا الغرض من اليهود والمسيحيين. لقد توفرت، إذا ، قنوات اتصال عديدة ومتنوعة، سرت عبرها المعارف الدينية إلى محمد. لكن اليقين البالغ الحماس الذي امتلكه محمد، واثقًا من رسالته الالهية، لم يدع له إلا مصدرًا نعليًّا واحدًا للحقيقة، ألا وهو الله وكتابه السماوي


أحد أهم مصادر تعاليم محمد كانت الاعتقادات الدينية التي اعتنقها قومه.وما من مصلح يمكنه أن يتنصل تمامًا من المعتقدات التي تربى عليها. هكذا بقي لدى مؤسس الإسلام بعض من الاساطير القديمة (مثلاً حول الجن) وبعض الآراء الدينية التي كانت سائدة في زمن الجاهلية. والبعض الآخر منها احتفظ به عمدًا .أما الطقوس الممارسة في الكعبة والحج فقام بتعديلها لتلائم تعليمه،


إن الدين الجديد الذي قدِّر له أن يهز العالم كله، انصهر في وجدان محمد من مواد مختلفة.


___________________________________________


تعليق بسيط بخصوص هذه الجزئية (  مسيحية الفِرَق الشرقية نفسها كانت ذات طابع يهودي بارز. ولم يكن العهد الجديد يحوز في الكنيسة القديمة الاهمية نفسها التي كانت للعهد القديم في ما يختص بالتعليم والبنيان الروحي ) 


كنت قد ناقشتها في مكان اخر سابقاً ( https://epshoi.blogspot.com/2021/12/blog-post_11.html?m=1 )


ولكني انقل كلام الباحث كما ذكره للامانة العلمية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق