الأسهم النارية في الرد على كتاب العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ( السهم الاول ، المقدمة )


 


من الأمور المثيرة للسخرية أن نجد المسلمين محاولين بكل الطرق الممكنة تشبيه العقيدة المسيحية بالأفكار الوثنية على الرغم من ان قرانهم يقول في سورة يونس 94 ( فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ۚ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) ويقول أيضا في سورة ال عمران 3 ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ) ويقول في سورة المائدة 47 ( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ) فمن خلال النصوص التي امامنا نجد ان القران نفسه يقر ان الذي كان على زمن محمد من توراة وانجيل بين ايدي المسيحيين واليهود هو حق وفيها حكم الله وهذا نجده أيضا في سورة المائدة 43 ( وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ) فالنص القرآني الذي قال به محمد لا نجده يهاجم ما كان بين ايدي المسيحيين واليهود في هذه الفترة لذلك نجد في دائرة المعارف الإسلامية الاتي

 

( وللعهد الجديد أثر عظيم في الحديث : فكثير من الأعاجيب والأمثال والآراء المنسوبة إلى محمد أو صحابته نجد أصولها في الإنجيل . وقد ذهب جولدسيهر إلى أن القصص التي تقول إن محمداً زاد في كمية الطعام أو الشراب لصحابته ترجع إلى قصة «عرس قانا الواردة في الانجيل، ولكنا نرى أنها ترد إلى قصة الأرغفة والسمكات التي جاءت فيه . والأحاديث العديدة التي تجعل للفقراء مكانة عند ربهم وتتحدث عن المصاعب التي يلقاها الأغنياء في دخول الجنة يظهر فيها أثر تعاليم الإنجيل، وهى تتعارض وآراء العرب الجاهليين  ، بل إن أبا داود وهو من رجال الحديث نسب إلى النبي، كما يقول جولد سهر حديثاً منقولا عن صلوات الرب ) [1]

 

ونجد أيضا ان تأثير الادب المسيحي ليس على قصص التراث الإسلامي ولكن على القران نفسه فيقول نولدكه

 

( لا مجال للشك في إن أهم مصدر استقى منه محمد معارفه لم يكن الكتاب المقدس، بل الكتابات العقائدية والليتورجية. هكذا تشبه قصص العهد القديم الموجودة في القرآن صيغها المنمقة في الهاجادا ، أكثر مما تشبه أشكالها الأولى . أما القصص المستقاة من العهد الجديد فهي أسطورية الطابع وتشبه في بعض معالمها ما يُسرد في الأناجيل المنحولة، قارن على سبيل المثال سورة آل عمران ٣: ٤١/٤٦ ، ٤٨ و / ٤٤٣ سورة مريم ۱۹ : ۱۷ ، بإنجيل الطفولة، الفصل الأول؛ إنجيل توما الفصل الثاني؛ ميلاد ،مريم الفصل التاسع. ونجد الجملة الوحيدة القصيرة جدا التي اقتبست حرفيا من العهد القديم في سورة الانبياء ٢١: ١٠٥ : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون ، قارن المزمور ۳۷، ۲۹ ) [2]

 

ونجد في سلسلة المصحف وقراءاته هذه الجزئية الهامة [3]

 

 ( أن فريقاً آخر من المستشرقين ذهبوا مذهباً آخر بدأت ترتسم اتجاهاته منذ أن نشر ألفونس (في الأصل هرمز ولكنّه غيّر اسمه مینجانا (Alphone Mingana) (ت 1937م) سنة (1927م) بحثاً موضوعه (أثر السّريانية في أسلوب القرآن) Syriac influence on the style of" 1927 ,the. Kuran in John Rylands Library, 77-98, Manchester. وهو بحث سيكون له أثر في التصنيف اللاحق عن تاريخ القرآن، ويتمثل أوّل تلك المصنفات في أطروحة جونتر لولنج (Günther Liling) التي قدمها لنيل شهادة الدكتوراه بجامعة إرلنجن بألمانيا، ونشرها بالمدينة نفسها سنة (1974م بعد أن أجبر على مغادرة الجامعة، تحت عنوان حول النواة القرآنية (Über den Ur-Quran). وتتمثل نظريته في :

 

- أن ما يقارب ثلث النصّ القرآني الذي بأيدينا يتضمّن طبقات كامنة، هي في الأصل نصوص مسيحيّة سابقة للإسلام.

 - أن القرآن كما رواه أجيال من المسلمين يتضمن أربع طبقات، أولاها وأقدمها هي نصوص من الأناشيد المسيحية قبل الإسلام والطبقة الثانية تتضمن نصوصاً من التأويلات الإسلامية للتراث الديني الجاهلي. وتشمل الطبقة الثالثة المادّة الإسلامية الأصلية المنسوبة إلى محمد. أما الطبقة الرابعة فهي جملة النّصوص التي وضعها مراجعو القرآن بعد محمد.

 - أن النص القرآني كما تناقلته الأجيال بالرواية هو حصيلة مراجعات متعاقبة.

- أن وجود هذه الطبقات المتراكمة في النصّ القرآني تثبته الأخبار الإسلامية )

 

وحتى الهجوم القراني على المسيحية ليس هجوماً على عقيدة المسيحيين ولكن على الافكار الهرطوقية التي كانت منتشرة قبل محمد بوقت قصير فنجد على سبيل المثال قول القران في سورة النساء 171 ( وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ) يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الجزئية

 

( ولا تقولوا ثلاثة ) أي : لا تجعلوا عيسى وأمه مع الله شريكين ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . وهذه الآية والتي تأتي في سورة المائدة حيث يقول تعالى : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد ) [ المائدة : 73 ] . وكما قال في آخر السورة المذكورة : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني [ وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ] ) الآية [ المائدة : 114 ] ، وقال في أولها : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) الآية [ المائدة : 72 ] ) [4]

 

وهذه ليست العقيدة المسيحية اطلاقاً فلا تقل المسيحية بمثل هذا الكلام بل هي بدعة حاربها اباء الكنيسة فنجد إبيفانيوس السلاميسي المتوفى في بداية القرن الخامس يتحدث عن هذه البدعة ويقول الاتي

 

 ( أي كتاب مقدس تحدث عن ذلك؟ أي نبي سمح بعبادة [إنسان، فضلاً عن امرأة؟ الوعاء مختار ولكنه امرأة، وبطبيعتها ليست مختلفة [عن الآخرين]. ومع ذلك، كما هي أجساد القديسين، تم تكريمها لشخصيتها وفهمها. وإذا قلت المزيد في مدحها، فهي مثل إيليا، الذي كان بتولاً من بطن أمه، وظل كذلك دائماً، ورُفع ولم يرَ الموت. هي مثل يوحنا الذي اتكأ على صدر الرب، "التلميذ الذي كان يسوع يحبه". هي مثل القديسة تقلا؛ ومريم أكثر تكريماً منها، بسبب العناية الإلهية التي وُهبت لها. لكن إيليا لا ينبغي أن يُعبد حتى وإن كان لا يزال حيًا. ويوحنا لا ينبغي أن يُعبد، حتى لو من خلال صلاته الخاصة (أو بالأحرى، بتلقي النعمة من الله) جعل من موته  شيئاً مذهلاً. لكن لا تقلا ولا أي من القديسين يُعبدون. لأن الخطأ القديم المتمثل في نسيان الإله الحي وعبادة مخلوقاته لن يسيطر عليّ. "عبدوا وكرموا المخلوق أكثر من الخالق"، و"صاروا حمقى". وإذا لم تكن إرادته أن تُعبد الملائكة، فكيف بالحري المرأة المولودة من حنة؟ [5] )

 

 

ويذكر لنا عالم الأديان Stephen J. Shoemaker في اطار تفسيره لكلام ابيفانيوس

 

( بالنسبة لإبيفانيوس، فإن مثل هذه الأفعال تعني رفع مكانة موضوع عبادة الانسان، سواء كانت مريم أو أي قديس آخر، إلى مرتبة مساوية لله. وبينما يوجه إبيفانيوس تركيزه مباشرة إلى الكوليريديين، في القسم التاسع والسبعين من الباناريون، فإن هجومه على عبادتهم للعذراء يظل راسخًا باستمرار في إطار نقد أوسع للتبجيل المقدم للقديسين والملائكة. ) [6]

 

وكانت هذه الهرطقة منتشرة في بلاد العرب كما يذكر لنا جواد علي فيقول الاتي

 

( ووجدت فرقة عرفت بـ ( الفطائريين ) (Collgridiens) بالغ أصحابها في
عبادة مريم وفي تأليهها ، وكانوا يقدمون لها نوعاً من القرابين أخصها أقراص
العجين والفطائر ، ، لذلك عرفوا بالفطائريين. وقد ذكرهم ( أفيفانيوس ) في
كتاب الهرطقات ) [7]

 

وهذا الامر ليس هو الثالوث المسيحي ولم تعرف المسيحية هذا الثالوث فهذه مجرد أفكار وثنية هرطوقية بعيدة عن الإعلان الإلهي في العهد الجديد الذي كان من يسوع المسيح

 

(إن هذه العقيدة تتخلل كل تعليم يسوع فقد ذكر الكثير عن الله أبيه الذي هو متميز عنه وفي نفس الوقت واحد معه . كما ذكر الكثير عن الروح القدس الذي يمثله كما يمثل هو الآب ، والذي يعمل بواسطته ، كما أن الآب يعمل بواسطته . ولا يقتصر هذا على تعليم يسوع في إنجيل يوحنا ، بل وفي الأناجيل الثلاثة الأولى ، يعلن يسوع بنوته الفريدة لله ( مت ۱۱ : ۲۷ ، ٢٤ : ٣٦ ، مرقس ۱۳ : ۳۲ ، لو ۱۰ : ۲۲ ) . كما أن لقب ه ابن الله ، ينسب إليه ، ويقبله هو ( مت ٨،٦:٤: ۲۹ ، ۱ : ۳۳ ، ۲۷ : ٥٤,٤٣,٤٠ ، مرقس ٣ : ۱۱ ۱۲ : ٦ - ٨ ، ۱٥ : ۳۹ ، لو ٤١:٤ ، ٧:٢٢، انظر أيضا يوحنا ۱ : ٣٤ و ٤٩٠ ، ۹ : ۳۰ ، ۱۱ : ۲۷ ) ، والذي يتضمن مشاركة تامة في العلم والسلطان . ويسجل متى ( ۱۱ : ۲۷ ) ولوقا ( ۱۰ : ۲۲ ) إعلانه العظيم بأنه يعرف الآب كما أن الآب يعرفه تلك المعرفة المتبادلة الكاملة : « ليس أحد يعرف الابن إلا الآب ، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن » ) [8]

ولم يعلم احد من اباء الكنيسة بهذه الأفكار ابدا فيقول القديس هيلاري

 

( الابن الوحيد من غير المولود، المولود من الوالد، الحي من الحي. كما أن الآب له حياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته. الابن كامل ممن هو كامل، فإنه تام ممن هو تام. هذا ليس انقساما أو قطعا، فإن كلاً منهما في الآخر، وملء اللاهوت موجود في الابن. غير المدرك مولود من غير المدرك، فلا يوجد آخر يعرفهما، بل كلاهما يعرف الآخر؛ غير المرئي مولود من غير المرئي، فإن الابن هو صورة الله غير المرئي، ومن رأى الابن فقد رأى الآب أيضا. هناك تمييز، فإنهما آب وابن؛ لكن ليس بكون ألوهيتهما مختلفة في النوع، فإن كليهما واحد، إله من إله، إله واحد ابن وحيد من إله واحد غير مولود. إنهما ليسا إلهين، بل واحد من واحد؛ ليسا اثنين مولودين، لأن الابن مولود من غير المولود. ليس هناك تفريق، فإن حياة الإله الحي هي في المسيح الحي ) [9]

 

ويشرح يوحنا الدمشقي المفهوم المسيحي الثالوث بالطريقة الاتية :

 

( ان اللاهوت لا يمكن ان ينقسم الي اقسام , و هو علي نحو ما يصير في ثلاثة شموس متواجدة بعضها في بعض و هي لا تنفصل , فيكون مزيج النور واحد و الاضائة واحدة . اذا عندما ننظر الي اللاهوت , علي انه العلة الاولي , و الرئاسة الواحدة , و الواحد  و حركة اللاهوت و مشيئته الواحدة – اذا صح القول و قوة الجوهر و فعل سيادته ذاتها , فالذي يتصور في ذهننا هو الواحد ) [10]

 

فهذه الأفكار التي قال بها القران عن الايمان المسيحي في الثالوث ان الله اتخذ صاحبة وانجب منها فنجد في سورة الجن 3 ( وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ) وهذا ما يحاول مؤلف كتاب العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ان يسقطه على المسيحية فيقول في ص 107 ( وكان اليونانيون يدعون والدة الإله العذراء «جونو» (ملكة السماء) ويعبدونها معتقدين أنها حارسة النساء من المهد إلى اللحد، كما تعتقد النصارى اليوم بمريم العذراء!!.) بالطبع هذا الهراء سوف نفده في فصول الكتاب ولكن اتيت بمثال على محاولة القول ان الثالوث في القران هو نفسه الثالوث المسيحي ومثل هكذا أفكار اما ناتجة عن فشل الباحث في كتابة بحث صحيح او عن دوافع شخصية في مهاجمة المسيحية او حتى نقل ما ذكر في القران الذي لا اريد حقاً ان أجذم انه لم يكن الكاتب يفهم الايمان المسيحي بشكل او باخر او كان يفهمه و يتحدث عن أمور أخرى لا اعلم ولكن القران نفسه ككاتب هو غير مفهوم لا يعطينا أي شيء مفصل وواضح ولكنه ينقل من هنا ومن هناك كما ذكرنا مسبقاً ولكن الذي يذكر من كاتب القران ليس هو الثالوث المسيحي كما أوضحت وحتى العلماء القائمين على الحوار الإسلامي المسيحي نجد في كلامهم شيء هام

 

( على الرغم من أن اتهام المسيحية بالشرك لا يزال موجودًا، إلا أن بعض المفسرين الإسلاميين يدركون أن المسيحيين (من الملكانيين، اليعاقبة، أو النساطرة) ليسوا بحسب التعريف القرآني مشركين. وكما أشار صموئيل زويمر، يوضح البيضاوي على سبيل المثال أن المسيحيين واليهود يختلفون عن الكفار. فهو يميز بين المجموعتين في تفسيره للآية 1 من سورة البينة، التي تقول: "لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ...". يعلق البيضاوي بأن المسيحيين واليهود الذين لا يؤمنون ليسوا في نفس الفئة القرآنية مع المشركين (الذين يعبدون الأوثان). في المقابل، يختلف سيد قطب في هذا الرأي، إذ يصنف المسيحيين واليهود ضمن المشركين ) [11]

 

ففي نهاية هذه المقدمة نستطيع القول ان الحديث عن اختلاف المسلمين في فهم او تفسير القران وحتى القران نفسه وعدم وضحه هذه مشكلة يحملها القران وليس نحن من المسيحيين

 

 

 

 

 

 

 



[1] دائرة المعارف الإسلامية – المجلد الثالث – ص 13

[2] تاريخ القران – نولدكه – ص 9

[3] المصحف وقراءاته – مجموعة من الباحثين – المجلد الأول – ص 14

[4] تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) - ج 4  - ص 389

[5] Epiphanius, haer. 79.5.1–4 (Holl and Dummer, eds., Epiphanius, 3:479–80; trans. Williams, Panarion, 2:624–25, slightly modified).

[6] Journal of Early Christian Studies, Volume 16, Number 3, Fall 2008,P.381

[7]  المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام – جواد علي – المجلد السادس – ص 637

[8]  دائرة المعارف الكتابية – المجلد الثاني – ص 432

[9]  عن الثالوث – هيلاري أسقف بواتييه – ص 248

[10]  المائة مقالة في الايمان الارثوذكسي . ص 72 – 73

[11] The Qur’an in Christian– Muslim Dialogue Historical and modern interpretations C. Jonn Block , P. 188




خلق العالم بين سفر التكوين وفلسفة باروخ إسبينوزا

 



من الأمور التي لا تخفى علينا في العصر الحالي هو ان كوننا حادث أي مخلوق وليس ازلياً ولكن كان قديماً الموضوع يختلف عن الان فنجد لورانس كراوس Lawrence Krauss يخبرنا عن هذه النقطة فيقول :

 

فبالنسبة إلى المجتمع العلمي في عام 1917 كان الكون استاتيكيا وأبديًا، ويتكون من مجرة واحدة، هي درب التبانة Milky Way التي نعيش فيها، ويحيطها فضاء واسع ولانهائي ومظلم وفارغ في النهاية، هذا ما يمكن أن تظنه، حين تتطلع نحو السماء في الليل بعينيك، أو بتليسكوب صغير؛ وفي ذلك الوقت لم يكن هناك سبب للشك في هذا. [1]

 

ولكن الذي قدمه اينشتاين كان بمثابة صدمة للمجتمع العلم على حد كلام لورانس فقد غير اينشتاين الفكر السائد بخصوص ازلية الكون وهذا أيضا على حد كلام لورانس

 

إن اكتشاف أن الكون ليس استاتيكيا بل، على الأحرى، في تمدد، له دلالة فلسفية ودينية عميقة؛ لأنه يطرح أن لكوننا بداية، تنطوي على خلق والخلق يثير العواطف. وفي حين أن فكرة الانفجار الكبير استغرقت عدة عقود، بعد اكتشاف كوننا المتمدد في العام 1929 لكي تحقق التوكيد الإمبريقي المستقل، فقد بشَّر بها البابا بيوس الثاني عشر Pope Pius XII في عام 1951 كدليل على صحة سفر التكوين. فكما قال: يبدو أن علم العصر الحالي بقفزة واحدة رجوعا عبر القرون، قد نجح في أن يشهد على اللحظة الجليلة لـ (ليكن النور - Fiat Lux) حين انفجر مع المادة من اللاشيء بحر النور والشعاع، وانفصلت العناصر، وتمخضت وكوَّنت ملايين المجرات. لهذا، مع هذه الصلابة التي تميز الأدلة الفيزيائية، أكد (العلم) على إمكان الكون، والاستنباط صحيح الأساس أيضًا في ما يخص العهد الذي خرج فيه العالم من بين يدي الخالق من ثم كان الخلق. نقول: لهذا يوجد خالق. لهذا فإن الله موجود!».[2]

 

وهذا هو مختصر الموضوع حسب نظرة العلم الحديث ان الكون له بداية ولكن ماهي النظرية الدينية والفلسفية لهذا الموضوع ؟ أحببت في هذا المقال ان انظر من خلال اعين الكتاب المقدس والفيلسوف باروخ إسبينوزا وهذا له سببين ان الأول انا اؤمن به والثاني من يقرأ حياته يعلم انه كان متعمقاً في الكتاب المقدس العبري ( العهد القديم ) بحكم انه يهودي

اود في البداية البدء مع الكتاب المقدس ونرى ماذا يقدم بخصوص هذا الموضوع , نجد في الكتاب المقدس هذا النص الواضح ( "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ." (تك 1: 1) في الدراسة اللغوية للنص نجد انه في البداية يحدثنا لا عن اله شخصي ولكن عن ما يسمى اله عموماً

 

بالمعنى الدقيق للكلمة، فإن كلمة אלהים هي اسم، أي أنه يمكن استخدامها لأي إله. وهي ليست اسمًا شخصيًا، مثل يهوه، أو إيل شداي، أو مردوخ، أو كيموش. ومع ذلك، وكما هو الحال مع الكلمة الإنجليزية "God"، فإنها غالبًا ما تعمل تقريبًا كاسم خاص. بالتأكيد في هذا الإصحاح، كلمة אלהים هي كلمة أكثر ملاءمة للاستخدام من יהוה (الرب): فهي تعني أن الله هو الخالق السيادي للكون كله، وليس فقط إله إسرائيل الشخصي [3]  

 

ברא أي "خلق" أولاً يجب ملاحظة أن الاله، إله إسرائيل، هو دائمًا موضوع " ברא "الخلق . الخلق لا يُنْسَب أبدًا إلى الآلهة الوثنية. ثانيًا، لا يذكر النص أبدًا ما يخلق الله منه. ثالثًا، المنتجات الأكثر شيوعًا للخلق هي الإنسان والجديد غير المتوقع الذي نادرًا ما يتم ذكره هو وحوش البحر والجبال والحيوانات أنه على الرغم من أن كلمة "ברא" لا تشير إلى الخلق من العدم، إلا أنها تحافظ على نفس الفكرة، وهي "خلق الله بلا جهد، وحر تمامًا وغير مقيد، وسيادته. لم يتم ذكر ما خلقه الله منه أبدًا". إن حقيقة أن الله خلق العالم من العدم أمر مفهوم بالتأكيد من خلال مقاطع أخرى من العهد القديم تتحدث عن خلقه لكل شيء بكلمته ووجوده قبل العالم (مز 148: 5؛ أمثال 8: 22-27) [4]

 

فمن خلال الدراسة اللغوية و التاريخية للنص نجد ان النص في البداية يتحدث عن اله بشكل عام ثم بعد ذلك يحدد ان الخالق هو اله إسرائيل تحديداً والمثير ان اله إسرائيل يخلق بكلمته كما جاء في المزمور ( "لِتُسَبِّحِ اسْمَ الرَّبِّ لأَنَّهُ أَمَرَ فَخُلِقَتْ،" (مز 148: 5).او حسب الامثال ( "«اَلرَّبُّ قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ، مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ، مُنْذُ الْقِدَمِ." (أم 8: 22) [5]. "مُنْذُ الأَزَلِ مُسِحْتُ، مُنْذُ الْبَدْءِ، مُنْذُ أَوَائِلِ الأَرْضِ." (أم 8: 23). "إِذْ لَمْ يَكُنْ غَمْرٌ أُبْدِئْتُ. إِذْ لَمْ تَكُنْ يَنَابِيعُ كَثِيرَةُ الْمِيَاهِ." (أم 8: 24). "مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقَرَّرَتِ الْجِبَالُ، قَبْلَ التِّلاَلِ أُبْدِئْتُ." (أم 8: 25). "إِذْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَنَعَ الأَرْضَ بَعْدُ وَلاَ الْبَرَارِيَّ وَلاَ أَوَّلَ أَعْفَارِ الْمَسْكُونَةِ." (أم 8: 26). "لَمَّا ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ كُنْتُ هُنَاكَ أَنَا. لَمَّا رَسَمَ دَائِرَةً عَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ." (أم 8: 27).ونحن نعلم ان الكلمة هو يسوع المسيح ( "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ." (يو 1: 1) [6]. "هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ." (يو 1: 2). "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ." (يو 1: 3).

 

على العموم حتى لا نشت عن الموضوع , حسب ما لدينا في سفر التكوين ان الكون خلق من اله وهذا الاله هو اله إسرائيل وهذا الاله خلق الكون من اللاشئ وأيضا هذا كان تفسير علماء اليهود في الرد على ان الله ليس بخالق ولكنه صانع صنع العالم من مدة قديمة

 

على أية حال، فإن التعاليم المباشرة للربانيين rabbis هي دائماً، مع النتيجة القائلة إن خلق العالم كان من لاشيء. يمكن أن نذكر هنا فقرة ذات دلالة خاصة. فجوابًا على تحدى واحد من الناس يوصف بأنه "فيلسوف" احتج بأن بعض ألفاظ سفر التكوين (۱ :۲) تشير إلى أشياء قديمة سابقة على الوجود خلق منها العالم، يقتبس الربى الذي يواجه هذا التحدى آيات من "الكتاب المقدس" ليبيّن أن الأشياء التى زعم الفيلسوف أنها قديمة وسابقة على الوجود ومع أنه من غير الواضح ما إذا كان الربي قد اعترف هي في الحقيقة مخلوقة. بأنها سابقة للوجود re-existent لكنه أنكر فحسب كونها أزلية eternal مع الله أو أنه أنكر الأمرين معا أى كونها سابقة للوجود وأزلية ، فإنه من الواضح تماما أنه كان مصراً على ما يسميه خلقا من عدم ex nihilo . وعلى أية حال، فإنه لا يوجد تعبير مطابق حرفيا للتعبير اليوناني ἐξ οὐδενός أو للتعبير "اللاتيني de ex nihilo أو ex nihilo صاغه الربيون لكي يعبروا به عن اعتقادهم بأن الخلق كان من لا شيء.[7]

 

وكان أيضا الجانب المسيحي يؤمن ان هذا النص يتحدث عن الخلق من اللاشئ وهذا نجده في الكثير من كتابات اباء الكنيسة ونأخذ منها على سبيل المثال ما ذكره كيرلس الكبير

 

إن الله بكل تأكيد هو الذي خلق الملائكة ورؤساء الملائكة، والعروش، والسلطانيين والقوات والرؤساء ومعهم أيضاً السرافيم، خلقهم من العدم ἐξ οὐκ ὄντων [8]

 

فنجد انه من خلال النظرة الكتابية الكون مخلوق من اللاشئ

 

والان لنلقي نظرة على الكون عند باروخ إسبينوزا, في الحقيقة مشكلة إسبينوزا انه لم ينفي ان الكون حادث فحسب بل قال ان الكون هو الاله نفسه

 

ويقول «كوليروس بعكس هذه الآراء تمامًا؛ فكتاب «الأخلاق» يبدأ في رأيه أولا بداية رائعة: «ومن ذا الذي يشك، حين يقرأ هذه البداية البديعة في أن فيلسوفا مسيحيا هو الذي يتحدث؟ ولكن عندما يختبر المرء ما يقوله اسپينوزا عن الله اختبارًا دقيقا، «يجد أن إلهه ليس إلا شبحًا، وإلها خياليًا، هو أبعد ما يكون عن الله فهو يستبيح لنفسه استخدام اسم الله وفهمه بمعنى لم يعرفه أحد من المسيحيين حتى اليوم.» وهكذا يفسر كوليروس إله اسپينوزا بأنه «ليس سوى الطبيعة - التي هي لا متناهية حقا، ولكنها جسمية ومادية - منظورًا إليها في كليتها وبجميع أحوالها» [9]

 

ولكن مشكلة إسبينوزا انه اقر بالفعل ان كل ما هو غير قادر على الوجود من ذاته هو عاجز فيقول اسبينوزا

 

في عدم القدرة على الوجود عجز وعلى العكس، في القدرة عليه قوّة (كما هو معلوم بذاته. وبالتالي فإذا كانت الكائنات المتناهية هي وحدها الموجودة بالضرورة في اللحظة الحاضرة، فالكائنات المتناهية ستكون أقدر من الكائن اللامتناهي إطلاقاً. بيد أن ذلك (كما هو معلوم بذاته) محال. وإما إذا أنه لا يوجد شيء، وإما أنه بالضرورة كائن لامتناه إطلاقاً. والحال أننا نوجد إما في ذواتنا وإما في شيء آخر موجود بالضرورة. (راجع البديهية 1 والقضية (7)، إذاً فالكائن اللامتناهي إطلاقاً، أعني بناء على القضية (6) الله، واجب موجود. [10]

 

فبتالي ان قلنا ان الكون حادث اذا فالكون حسب ما قدم إسبينوزا في شرحه عاجز على ان يكون الهاً باي شكل من الاشكال لانه من شروط الاله ان يكون واجب الوجود أي موجود بدون خلق وهنا نجد مشاكل عند اله اسبينوزا الذي هو الطبيعة المخلوقة ونجد اله الكتاب المقدس يستحق ان يصبح اله الحق لانه هو الخالق واجب الوجود

 

 



[1]  كون من لا شيء – لورانس كراوس – ترجمة غادة الحلواني – ص 26

[2] المصدر السابق – ص 29

[3] Wenham, G. J. (2002). Vol. 1: Word Biblical Commentary  : Genesis 1-15. Word Biblical Commentary (15). Dallas: Word, Incorporated

[4] Wenham, G. J. (2002). Vol. 1: Word Biblical Commentary  : Genesis 1-15. Word Biblical Commentary (14). Dallas: Word, Incorporated.

[5]  بمناسبة هل كان يتحدث النص عن خلق المسيح لم لا كان لي رد في هذا الموضوع مسبقاً ( https://t.me/epshoi12/24 )

[6]  يرجى مراجعة أيضا الملف الاتي بخصوص هل كان الكلمة الله ام الهاً ( https://t.me/epshoi12/20 )

[7] فلسفة المتكلمين – المجلد الثاني – ص 490

[8]  جلافيرا – المقالة الأولى على سفر التكوين – الوجود او العدم للإنسان القابل للسقوط

[9]  إسبينوزا - فؤاد ذكريا - ص ١٠٧

[10]  علم الاخلاق – باروخ إسبينوزا – القضية 11 , البرهان الثالث