كيف ضلت رحلة البحث عن يسوع التاريخي طريقها

 


المقدمة

 

في اعمال البحث عن يسوع او عن أصول المسيحية كثيراً ما نجد كتب تقول لك ان يسوع التاريخي ليس هو يسوع الايمان ولكن يسوع التاريخي هو شخصية مختلفة ليس كثيراً عن يسوع الايمان والاختلاف يكون ان يسوع التاريخي هو انسان يهودي عادي غير صانع للمعجزات ولا يوجد به أي شيء خارق للطبيعة فهو انسان ولد من زواج يهودي عادي بين مريم ويوسف وكان له مجموعة من الاخوة نتجوا من هذا الزواج أيضا وكان يسوع يهودياً تأثر بيوحنا المعمدان كثيراً وفي النهاية صلب ومات وهذه النظرة عن يسوع هي ناتجة عن منهج يرفض الخوارق بالجملة كما ذكر بارت ايرمان مؤرخ المسيحية المبكرة

 

لنفترض أن ثلاثة شهود عيان موثوق بهم زعموا أنهم رأوا القس جونز من كنيسة بليموث المعمدانية يمشي عبر بركة أبناء رعيته في عام 1926. ومن المؤكد أن المؤرخ يستطيع أن يناقش ما يمكن معرفته عن القضية: من هم شهود العيان، وماذا زعموا أنهم رأوا. وما يمكن معرفته عن المسطح المائي، وما إلى ذلك. ولكن ما لا يستطيع المؤرخ أن يزعمه، على الأقل عند مناقشة الأمر كمؤرخ، هو أن القس جونز فعل ذلك بالفعل. وهذا أكثر مما يمكننا أن نعرفه باستخدام قواعد المعرفة التاريخية. وتحد مشكلة الاحتمالات التاريخية من استنتاجاتنا. فنحن نعرف جميعاً عدة آلاف من الناس، لا يستطيع أي منهم أن يمشي عبر برك من الماء، ولكنهم جميعاً أخطأوا في وقت أو آخر بشأن ما اعتقدوا أنهم رأوه، أو نقلوا أقوالهم بشكل خاطئ، أو بالغوا في روايتهم، أو كذبوا عليهم بشكل صريح. لا شك أن مثل هذه الأنشطة قد لا تكون محتملة، وخاصة بالنسبة للأعضاء الشرفاء في كنيسة بليموث المعمدانية. ولكنها ستكون أكثر احتمالاً من المعجزة التي تتحدى العمليات الطبيعية الطبيعية. وبالتالي، إذا كان بوسعنا كمؤرخين أن نقول فقط ما حدث على الأرجح، فلا يمكننا أن نقول ـ كمؤرخين ـ أن القس الصالح ربما صنع معجزة  [1]

 

وانطلاقاً من هذه المنهجية نجد الكثير من الكتب التي تتحدث عن تطور يسوع من انسان الي كائن الهي او مثلا ان المسيحية اخذت من الوثنية الأمور الخارقة للطبيعة وتبنى هذه الكتب ليس على ادلة تؤكد زعمها ولكن على منهجية سوف نناقش افكارها في هذا المقال ويجب ايضاً ان أوضح ان المصدر سوف اعتمد عليه في هذا المقال على موسوعي من مجلدين تحت عنوان JESUS REMEMBERED قدمه James D. G. Dunn وهو لاهوتي وعالم بريطاني في العهد الجديد ولنربط الاحزمة وننطلق  

 

 

الهروب من العقيدة

 

مع عصر التنوير (1650-1780 تقريبًا)، ازدادت التوترات بين الإيمان والتاريخ بشكل واضح. من هذه الفترة بدأ ما يُعرف بـ "البحث عن يسوع التاريخي". هذا البحث شهد فترات من الصراع الحاد بين الإيمان والتاريخ، حيث وصلت التوترات أحيانًا إلى حد المواجهة العلنية ( ص 25 )

 

من منظور الإيمان، كانت النتائج الأكثر درامية وتحديًا التي ظهرت من مرحلة "النقد العلمي" لروايات الأناجيل عن يسوع مرتبطة بالمفاهيم الأساسية للوحي والمعجزة. فبينما كان العقل سابقًا يخضع للمطالب العليا للوحي وإثباتات المعجزات، انعكست الأدوار الآن، حيث أصبحت ادعاءات الوحي والمعجزات خاضعة لحكم العقل. واجهت روايات المعجزات في السجل الكتابي أول تحدٍ جاد من النقد العلمي على يد باروخ/بنديكت سبينوزا (1632-1677). كما شنّ أول هجوم على وجهات النظر التقليدية عن يسوع من قِبل الطبيعيين الإنجليز، وعلى وجه الخصوص توماس تشب (1679-1747) ( ص 29 )

 

كان ريماروس أول من فَصَل بشكل منهجي بين يسوع وتلاميذه. على وجه الخصوص، كان موت يسوع كمخلص متألم من أجل البشرية جمعاء يتناقض مع نية يسوع الأصلية، وكان يجب أن يُعتبر اختراعًا لاحقًا من تلاميذه. كانت نية يسوع الحقيقية هي "إيقاظ اليهود على أمل مسيح دنيوي" وخلاص سريع، لكن موته كان علامة على فشل هذا الأمل.( ص 30 )

 

 

اذا من خلال ما وضع هنا يمكننا ان نفهم ان هذه المنهجية هي صممت في الأصل على فكرة او اتجاه أساسي وهو نفي الأمور الخارقة للطبيعة فبتالي أي حدث حتى لو كان عليه دليل سيتم رفضه او حتى وضع تفسير بعيد عن الحدث لمجرد التجنب السقوط بالاعتراف المباشر لحدوث المعجزة او الامر الخارق للطبيعة وهذه المنهجية مبنية على فكر الحادي في الأصل ينفي كل شيء له علاقة بالإله او افعاله

 

 

الهروب من التاريخ

 

لقد اتسمت رحلة البحث عن شخصية يسوع التاريخية بالتوتر بين الإيمان والتاريخ. في البداية، كان يُعتبر الإيمان عقيدة ثابتة، وهي الإيمان المتطور والرسمي للكنائس المسيحية، وكان يُنظر إليه على أنه حاجز يفصل بين الحاضر والماضي، أو كنوع من السجن الذي يجب تحرير يسوع التاريخي منه. في البداية، كان التاريخ يُعتبر الوسيلة التي تتيح التحرر. كان يُعتقد أن البحث التاريخي الدقيق سيساعد في بناء صورة واضحة عن الماضي للكشف عن يسوع الحقيقي أمام الناس. وحتى عندما عاد الإيمان ليصبح أكثر تجريبيًا وأقل فكريًا، كان يُعتقد أن البحث التاريخي سيتيح لقاء جديد بين إيمان "يسوع التاريخي" وإيمان المؤمن المعاصر. وكان البحث النيوليبرالي يعتقد أن أدوات البحث التاريخي كافية لاكتشاف معلم حكيم وراء التصوير الديني ليوحنا، خلف المسيح العقائدي في الإيمان المسيحي التقليدي. وكان هذا يترافق مع الثقة في قدرتهم على تحليل الوثائق، بما في ذلك الأناجيل الغنوصية المتأخرة، لتحديد طبقاتها وتقاليدها الأصلية ( ص 67 )

 

المنهج التاريخي النقدي

 

أول من تناوله هو غوتهولد ليسينغ (1729-1781). كناشر لفراغمنت ريمايروس، كان ليسينغ عرضة للانتقاد، ورغم أنه كان عقلانيًا مثل غيره، إلا أنه حاول أن يواجه التحدي الذي طرحه ريمايروس على مستوى أعمق. فعل ذلك في أحد أشهر كتيباته، "عن إثبات الروح والقوة" (1777)، من خلال التمييز بين تقارير الأحداث المعجزية والأحداث نفسها، وبالتالي خلق فجوة بين الإيمان والتاريخ. باختصار، قدم ليسينغ نسخته الخاصة عن التمييز الذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع بين نوعين من الحقائق: الحقائق الدينية التي لا ينازع فيها أي رجل عقلاني، مثل وجود الله وخلود الروح (وهي عقيدة العقلانيين)، والحقائق التاريخية التي تخضع للبحث التاريخي، والتي لا يمكنها توفير أساس للإيمان الديني. ( ص 68 )

 

في نهاية القرن التاسع عشر، طرح إرنست ترويتش معضلة المنهج التاريخي النقدي بشكل أكثر وضوحًا. حدد ترويتش ثلاث خصائص رئيسية للمنهج التاريخي: الاحتمالية، التشابه، والارتباط ( ص 69 )

الاحتمالية: كان يقصد بها أن الحقيقة التاريخية ليست مؤكدة، بل هي مجرد احتمالات، كما وصفها ليسينغ.

التشابه: يعني أن الماضي مشابه للحاضر، وأن القوانين الطبيعية التي تعمل اليوم كانت تعمل أيضًا في الماضي، وأن البشر كانوا يعيشون ويتفاعلون بطرق يمكننا فهمها من خلال تجربتنا اليوم.

الارتباط: يقصد أن كل الأحداث مترابطة، ولا يمكن فهم حدث بمفرده دون النظر إلى السياق العام الذي يحدث فيه.

كان ترويتش يعتقد أن كل هذه الأحداث مترابطة بشكل معقد، تمامًا مثلما يرى التنوير الكون كنظام مغلق وآلة متشابكة.

 

بالطبع، في جانب من الجوانب، كان ترويتش ببساطة يعيد صياغة مشكلة جميع الدراسات التاريخية ويؤكد على التواضع والاحتراس الذي يجب أن يتمتع به كل جهد لإعادة بناء التاريخ. لا شك أن ملاحظات وحجج ليسينغ وترويتش يجب أن تؤخذ على محمل الجد إذا كان للبيانات التاريخية المتعلقة بيسوع أن تكون ذات قيمة أما بالنسبة لمبدأ التشابه الذي تحدث عنه ترويتش، فقد كان فكرًا شائعًا في تاريخ القرن التاسع عشر. يعني هذا المبدأ أن البشر يفكرون ويشعرون ويتصرفون بنفس الطريقة في مواقف مشابهة، لذلك يمكننا فهم الماضي لأن طبيعتنا البشرية متشابهة عبر الزمن. أما المبدأ الثالث، فقد تم شرحه في منهج تاريخ الأديان، الذي يدرس المسيحية داخل سياق تاريخ الأديان والثقافات الأخرى، محاولًا فهم ظهور المسيحية ويسوع كجزء من تاريخ أوسع.( ص 70 )


اتبع هذا المنهج فكرة الحذر أي ان التاريخ في العموم لا يمكن التأكد منه فبتالي يجب ان ننظر عن كثب في المعلومات المقدمة تاريخياً يسوع وفي الحقيقة هنا نرى نقطة جيدة بالفعل نحن لا ننكر انه يجب علينا التركيز في كل معلومة نقلت لنا عن يسوع ولا نختلف أيضا معه فان البشر هم البشر أي لم يكن الانسان قبل 2000 عام شخص مغفل ولكنه كان انسان ذو قدرات عقلية مثلنا اليوم وكان يتفاعل بها مع ما يتناسب في حياته وهذا حتى نجده في اعمال الحضارات السابقة ولكن يمكننا الاختلاف معه في البند الثالث وهو ان المسيحية ماهي الا ديانة تطورت ليس اكثر مع الوقت وفي الحقيقة ان المسيحية هي ناتج عن يسوع وعن التعامل مع يسوع فنجد مثلا في رسالة القديس يوحنا الأولى ( "اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ." (1 يو 1: 1). "فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا." (1 يو 1: 2). "الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ." (1 يو 1: 3).فالمسيحية ليست فكرة تطورت ولكنها أسلوب حياة نتج عن هذا يسوع المسيح

 

 

ما بعد الحداثة

 

ما بعد الحداثة هي فكرة جديدة بدأت تظهر في السبعينات في مجال النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، وتهتم بفكرة أن كل شيء نسبي ويعتمد على وجهات نظر مختلفة. في مجال التاريخ، هذه الفكرة أدت إلى التخلي عن الاعتقاد بأن هناك حقائق ثابتة ومستقلة عن التفسير، وكذلك التخلي عن فكرة أن التاريخ يتبع تطورًا خطيًا ثابتًا. كما أنه في ما بعد الحداثة، بدأ المؤرخون يعيدون النظر في التاريخ كأدب، مع تشويش الحدود بين الحقائق والخيال، والتاريخ والشعر، حيث أصبحنا نشك في فكرة أن النصوص التاريخية تشير دائمًا إلى واقع ثابت ( ص 93 )

 

في كل هذا، هناك تهديد لأي أفكار عن وجود معايير ثابتة لمعاني النصوص. إذا كانت كل قراءة تعتمد على الشخص الذي يقرأ، فيبدو أن كل فرد يصنع معناه الخاص، ولا توجد معايير ثابتة لنحكم إذا كانت القراءة جيدة أو سيئة أو صحيحة أو خطأ. في ما بعد الحداثة، التعددية هي الأساس. لكن في الجدل حول نظرية استجابة القارئ، تم تقديم قيدين. الأول هو أن استجابة القارئ يجب أن تكون حوارًا بين النص والقارئ، حيث يجب أن "يُسمع" النص ويتم الانتباه له، حتى لا يتحول القارئ إلى تعديل النص ليتناسب مع ما يريده هو. في جداله مع ستانلي فيش، يود إيسر الحفاظ على فكرة أن النص له معنى ثابت يجب أن يتم تفسيره، وأنه يوجد شيء محدد يجب تفسيره قبل أن يتم التفسير.( ص 95 )

 

اذا نظرنا هنا لا نجد منهجية نستطيع ان نسير عليها في منهج ما بعد الحداثة اصبح بكل بساطة محفل لراي الشخصي الذي يمكن لاي شخص ان يعطي رايه فيه حتى لو كان خاطئاً او بدون دليل عليه وهذا ما نجده في الكثير من المصادر التي تتحدث عن يسوع او تتهم المسيحية بسرقة يسوع من اساطير أخرى


الخاتمة

 

وبعد ان عرضنا المناهج المستخدمة في البحث عن يسوع نجدها في النهاية تصب ليس في البحث عن يسوع حقاً ولكنها ضلت طريقها في النهاية للبحث عن شخصية تبتعد كثيراُ عن يسوع وفي الحقيقة سوف نظلم كل الأبحاث ان اجمعنا الكل في سلة ولكن هناك من يقدم ادلة حقيقية عن يسوع ومن يقدم اراء شخصية لا تهمنا في شيء بل تهم كاتبها فقط ولكن ما يهمنا حقاً هو الدليل الحقيقي الذي نستطيع ان نبني عليه راي واضح بخصوص يسوع وليس اراء شخصية تخص أصحابها فقط

 

 



[1] THE NEW TESTAMENT A HISTORICAL INTRODUCTION TO THE EARLY CHRISTIAN WRITINGS(  by Bart D. Ehrman ) , P . 201


هناك تعليقان (2):

  1. ربنا يبارك جهدك

    ردحذف
  2. الحقيقة مقال شيق جدا ومليان بالمعلومات انا استفدت كتير منه جامد

    ردحذف